تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف: 172). ثم ميثاق الخلافة في عالم الاستخلاف: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، ثم مرحلة الالتزام بالأمانة عند عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ولما عرضت على الإنسان قبلها ورضي الالتزام بها: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72)، ثم قبول الإنسان مبدأ الابتلاء في مرحلة الابتلاء: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)، ثم مرحلة الجزاء الأخرويّ: (وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) (الجاثية: 22). وفي هذه المرحلة يفترق الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير.

كما أدركوا جميعاً أنَّ هذا القرآن هو الهادي للتي هي أقوم في سائر مراحل الحياة، والمنير لكل سبلها، هو دليل هادٍ ملازم ضروريٌّ للبشر، لا ينفصل عن حياتهم، لئلا يضلوا، كما لا يمكن فصله عن الكون والأرض التي استخلف الإنسان فيها. وبالتالي فقد كان القرآن يشكل بالنسبة لهم الروح وآفاقها، والنفس وجوانبها، والحياة بكل ما فيها، والوجود بكل عناصره وما يعتمل فيه: فإذا قرأوه استدعوا وهم يقرؤونه ذلك كلّه، ولاحظوا الصلة بين القرآن وبين كل ذلك والتفاعل الذي يمكن أن يتم بينه وبين سائر تلك العناصر فيجتمع لهم وهم يقرؤونه استحضار أنفسهم وذكرها وتذكيرها، واستحضار الكون وما سخر الله فيه للإنسان، والمهام التي تنتظر الإنسان وهو يتحرك في هذه الأرض إلى أجل مسمى؛ فذكروا الله وذكروا أنفسهم، وذكروا البشريَّة الممتدة ما بين عالم العهد وعالم الجزاء، وذكروا الكون فبرزت لهم عظمة الخالق العظيم سبحانه وتعالى وتحققت لهم حالة الشهود، وفارقوا حالة الغياب التي يتيه فيها الغافلون.

أما القرآن -اليوم- فقد كثر قرّاؤه وقلّ الفاقهون فيه، وكثرت خطوطه ونافس بعضها بعضاً في الجمال والاستقامة وقلّ متدبّروه. وكثرت فضائيَّاته وإذاعاته وقل مرتلوه. وتوثقت العلاقة بألفاظه، وأهملت روحه ومعانيه، وكثر المنادون به وقل التالون له حق تلاوته المنفعلون به الذين يجعلونه نبراس حياتهم ومنطلق شهودهم وشهادتهم، وعطلِّت حاكميَّته، وأهملت شريعته.

* المراد بالهجر:

الهجر والهجران من المفاهيم الهامة التي تعني مفارقة الإنسان غيره. وهذه المفارقة تكون بالبدن وباللسان وبالقلب والوجدان والمشاعر. ولذلك فإنَّه مفهوم يتعلق أحياناً بما هو حسيّ وأحياناً بما هو معنويّ.

وقد استعمل القرآن المجيد المفهوم في الأوجه كلّها.

فمن الهجران الحسيّ والبدنيّ قوله تعالى: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) (النساء: 34).

ومنه قوله تعالى: (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) (المزمل: 10). فالأمر يحتمل الثلاثة والوصف بالجميل يعطيه صلى الله عليه وسلم حرية الاختيار لنوع الهجر أو أنواعه دون التفريط بهذا الوصف.

وكذلك قوله تعالى: (وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً) (مريم: 46).

وقوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر: 5) ...

فهي حث على القيام بجميع أنواع المفارقة وبالأوجه كلِّها.

وقوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان: 30)، فهي شاملة للهجر باللسان وذلك بعدم القراءة، وبالقلب بعدم التفكُّر والتذكُّر والتدبُّر والتعقُّل والتلاوة والترتيل، وشاملة لهجر الألفاظ وهجر المعاني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير