تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولعل لنا أن نستخلص من كل ما تقدم: أنَّ الأمَّة في وقتها الحالي وإن أكثرت من قراءة القرآن وطباعته ومدارسة تفسيره وقراءته وخصّصت المحطات القرآنيَّة والفضائيّات لترديد آياته، فإنَّها في حالة هجر للقرآن الكريم من حيث العمل به، وتدبُّر معانيه ودلالاته، ومعرفة المراد به وبناء الحياة بمقتضاه وإن انشغلت ألسنتها وأسماعها به. فذلك لا يخرجها من الاتصاف بحالة الهجر. ولن تخرج من ذلك حتى تصبح صلتها به ألفاظاً ومعاني وتأويلاً وتطبيقاً ومعايشة كاملة، فزوال وجه من أوجه الهجر لا يخرجها من صفة الهجر. وهجر القرآن خطيئة كبيرة وخطأ عظيم ما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يقع فيه.

إذا تبين هذا فلابد لنا من تتبع مظاهر الهجر لنعرف كيف نتجاوزها، وكيف نتخلص منها، وكيف ننقذ أنفسنا من الوقوع بين أولئك الذين اتخذوا هذا القرآن مهجوراً.

* من مظاهر الهجر للقرآن المجيد:

يعدّ هاجراً للقرآن الكريم كل من لم يعرف قدره ويؤمن بذلك إيماناً قاطعاً يربط به على قلبه بأنَّ هذا القرآن المجيد هو المحجة البيضاء والمنهج الذي يهدي للتي هي أقوم في سائر الشئون والشجون، وأنَّه حبل الله المتين وصراطه المستقيم وأنه الكتاب المهيمن على ما سبق وما لحق، والمرجع للتصديق وإثبات الحق ونفي الباطل في سائر تراث الإنسانيَّة ورسالات النبيِّين ومعطيات الحضارات.

ويعد هاجراً للقرآن من لم يؤمن إيماناً قاطعاً بأنَّه هدى للمتقين وبشرى للمؤمنين وهدى للناس كافَّة وبيّنات من الهدى والفرقان. وأن الله سبحانه وتعالى نزله على قلب نبيِّه مصدِّقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين.

ويعد هاجراً للقرآن من لم يوقن قلبه بأنَّه كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وأنَّه كتاب فصَّله الله على علمه فهو محيط بالوجود وحركته، مستوعب للإنسان واحتياجاته.

ويعد هاجراً للقرآن من لم يوقن قلبه وعقله ووجدانه بأن هذا القرآن أنزل بالحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. وأنَّه لا ريب فيه ولا اختلاف فيه بالحق أنزله الله وبالحق نزل، وأنَّه نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون من المنذرين، وأنَّه لم يدخله حرف واحد من حروف شياطين الإنس أو الجن أو من غير الشياطين: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (الشعراء: 210 - 212) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلقى القرآن من لدن حكيم عليم".

ويعد هاجراً للقرآن من لم يمتلئ قلبه بحبه، والتعلُّق بكل حرف فيه والإيمان التام بأنَّه أحسن الحديث (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23)، وأنَّه شفاء لما في الصدور، وأنَّ كل آية فيه إنَّما هي آية تامة مثل الشمس ومثل القمر ومثل أيّ آية من آيات الله سبحانه وتعالى، وأنَّه نزل بالحق والميزان والشرعة والمنهاج، وأنَّه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

ويعد هاجراً للقرآن من لم يؤمن الإيمان -كلّه- بأن الله سبحانه وتعالى قد ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل. وأنَّ هذا القرآن كاف للبشريَّة بمنطوقه ومكنونه وبكليّاته وتفصيلاته لو أحسنت البشريَّة التفكر فيه والتدبُّر لآياته، وأدركت أنَّه لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، فالقلوب التي لا تخبت وهي تتلوه، ولا تخشع وهي تسمعه، ولا ترقُّ وهي ترتله ولا تلين وهي تقرؤه، إنَّما هي قلوب قاسية، النار أولى بها والويل لها.

ويعد هاجراً للقرآن من لا يؤمن ويوقن بأنَّه واجب الإتِّباع وسبيل التزكية ومنبع الحكمة والبركة، وأنَّه الكتاب المبين والقرآن الحكيم دليل المتقين ومرشد المؤمنين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لا ريب فيه صرَّف الله فيه للناس من كل مثل. وضرب الله فيه للناس من كل مثل ليحملهم على التفكُّر والتدبُّر.

ويعد هاجراً للقرآن من لم يوقن بأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وأن إتباع غيره موصل إلى الضلال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير