والجواب اليسير أن نعم؛ إنَّ ذلك ما زال ممكناً بإذن الله ويمكن القيام بما يلي للوصول إلى بعض هذه الغاية، أو الاقتراب منها.
أولاً: لتحقيق ذلك علينا أن نبدأ بإعادة بناء معرفتنا بالقرآن المجيد وذلك بأن ندرك عن اعتقاد يقينيّ أنَّ القرآن المجيد تركه الله فينا بعد رسوله، وبعد ختم النبوة ليكون النبي المقيم والرسول الخالد يحمل إلينا الهداية والتسديد والترشيد والمنهج القويم في كل ما نحن بحاجة إلى هداية وتسديد وترشيد فيه من شئون وشجون الدنيا والآخرة.
ثانياً: اليقين بأنَّنا سوف نجد في القرآن سبيل الهداية إلى كل ما نحن بحاجة إلى الوصول إلى سبيل الهداية فيه فإنّه ما تنزل بأحد من أهل الأرض نازلة إلا وفي القرآن المجيد سبيل الهدى والطريق الأقوم لمعالجتها.
ثالثاً: أن نوقن بأنَّ القرآن الكريم يكفينا عما سواه، ويغنينا عما عداه فنقرؤه وكلّنا ثقة بأنَّنا سوف نجد بغيتنا فيه وسوف نحصل على مرادنا منه إن شاء الله: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت: 51)، ولا ينبغي أن تستعجل النتائج ونحن نقرأ القرآن، بل نصبر ونقرؤه وننتظر كرمه ونفهم أفهامنا وطاقاتنا، لا القرآن المجيد، ونستمر بالتلاوة والترتيل والتدبُّر حتى يفتح الله سبحانه وتعالى لنا من كرم القرآن ومن رحمته ما يفتح.
رابعاً: أن ندرك أن لهذا القرآن مداخل عديدة لتلاوته "حق التلاوة" وترتيله حق الترتيل ولابد لنا من ملامسة هذه المداخل وإدراكها والتدرُّب على استعمالها، وتذوق حلاوة التلاوة في استحضارها، ومنها: مدخل العبادة، ومدخل الأزمة، ومدخل الجمع بين القراءتين أو القراءات، ومدخل القيم والمقاصد وما إلى ذلك.
كما أن للقرآن المجيد منهجيَّة معرفيَّة قد اشتمل القرآن على محدّداتها لابد للقارئ من إدراكها وفهمها والتدرُّب على استعمالها ومن هذه المحدِّدات "التصديق والهيمنة والاستيعاب والتجاوز". والمسلمون اليوم أحوج ما يكونون لإعادة بناء علاقتهم بالقرآن بشكل سليم، ووضع حد لحالة الهجر والفصام بينهم وبينه وإزالة سائر العوائق والحجب بينهم وبينه. وأن يدركوا أنَّ القرآن الكريم وإن كان الله سبحانه وتعالى قد يسره للذكر لكن قارئه يحتاج مع ذلك التيسير إلى إدراك خصائص القرآن ومعرفة القرآن والإلمام بمنهجيَّته وإدراك خصائص خطابه لعله يتمكن من الوصول إلى حالة النظر الخالي من الشوائب التي تحول بين قلب الإنسان وبين فهم معاني القرآن وملامستها.
خامساً: إنَّ القرآن المجيد "لا يمسُّه إلا المطهرَّون" و"المطهّرون" غير "المتطهرين" فالمتطهّر هو: من طهَّر نفسه بنفسه وهو أمر مطلوب ولاشك مع القرآن المجيد؛ أمّا "المطهَّر" فهو من طهَّره الله سبحانه وتعالى أو من طهّره غيره.
والقرآن المجيد أنزله الله تعالى على قلب نبيّه صلى الله عليه وسلم لأنّه العضو الوحيد في الإنسان القادر على استقبال وتلقي "القول الثقيل" كما أنزله الله، ولابد من تطهره ليتلقّى القرآن الحكيم؛ وهذا التطهّر يقتضي التطهر من الموانع كلّها، ومنها: إبعاد الشياطين ووساوسها عنه، وتنقيته من الأفكار والمسلّمات المغايرة، فهذا الكتاب لا تخالط بشاشته ومعانيه القلب اللّاهي المشغول بسواه، ولا يعطي نفسه لقلب لا يسمع له، وينصت، ولا تغشى أنواره قلباً يعصف به اللّغو فلا يصفو له.
والقلب الذي يستقبل القرآن الكريم قلب لابد أن يستولى عليه الشعور بأنّه حين يقبل على القرآن إنّما يقترب من حضرة القدس، فالقرآن كلام الله تعالى فإن لم يشاهد حضرة القدس، ولم يسمع فإن الله منزل القرآن بسمعه ويراه. فعليك أن تدرك أنّه يسمعك إن أحسنت التلاوة فتلوت القرآن حق تلاوته، أو أسأت الترتيل؛ فإن رضي الله تعالى تلاوتك طهّرك، وهيأ قلبك لاستقبال نفحاته، وجعل بينك وبين الذين لا يؤمنون حجاباً مستوراً فلا يصلك أذاهم ولا ينال منك مكرهم. وطهّرك تطهيراً، وأعانك على استكمال مؤهّلات مسّ معاني وأنوار الكتاب المكنون، وهيأك للعروج إلى عليائه، والانفعال التام به، وجرى في قلبك ووجدانك مجرى الدم فقوّم تصوّرك، ووضحّ رؤيتك، وصحح عقلك ونقَّى عقيدتك، وبارك وأنار فكرك، وتظل تقرأ وترتقي حتى تجد نفسك وكأنّك تلقّى القرآن من المتلقي الأول له صلى الله عليه وسلم. فقراءة وتلاوة وترتيل القرآن الميسَّر للذكر "حق التلاوة" لابد لها من تطهير ربانيّ لا يحظى به إلا المطهرون (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال: 2).
والله ولي التوفيق.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[01 Nov 2007, 09:31 م]ـ
ذكر الدكتور في نهاية المحاضرة عدد منم الأمور التي قد تغير من حالة الهجر وأريد ان أسأل هل هناك بحث ار رسالة علمية عن كيف يكون هذا؟
لو كان العلاج علي المستوي الفردي فالفرد -غالبا -يشفق من إقحام نفسه فيما قد يكون أكبر منه ويؤثر السلامة،وهناك من قد ينحرف برؤيته أو تنحرف رؤيته به إلي غلو أو تفريط،.والطوائف والفرق كلٌ يتبني جزئيه أو منهج مبتسر لايصل إلي ازالة الهجر،
فهل نري معهد علميا يقوم علي وضع منهجية يجتمع عليها الجميع.
¥