29. [وأما التفسير: فإن أعلم الناس به: أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبى رباح وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم].
30. [و المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً أو الاتفاق بغير قصد: كانت صحيحة قطعاً].
قلت: ويعرِّف بعضُهم المرسل بأنه الإسناد الذي سقط منه الصحابي، وهو خطأ فلو كان الذي سقط من الإسناد هو صحابي لكان الحديث صحيحاً لعدالة الصحابة وعدم تأثير الجهل به.
والصواب أن المرسل هو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه من غير واسطة.
31. [لكن مثل هذا - (أي: الروايات المرسلة و المتعددة الجهات) - لا تُضبط به الألفاظ والدقائق التى لا تعلم إلا بهذه الطريق، بل يَحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق].
32. [الحديث الطويل إذا روي - مثلا - من وجهين مختلفين من غير مواطأة: امتنع عليه أن يكون غلطا، كما امتنع أن يكون كذبا؛ فإن الغلط لا يكون فى قصة طويلة متنوعة، وإنما يكون في بعضها، فإذا روى هذا قصة طويلة متنوعة ورواها الآخر مثلما رواها الأول من غير مواطأة: امتنع الغلط فى جميعها، كما امتنع الكذب فى جميعها من غير مواطأة، ولهذا إنما يقع في مثل ذلك غلط فى بعض ما جرى فى القصة].
33. [ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد اذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له - (إذا كان خبراً) - أو عملا به - (إذا كان طلباً) - أنه يوجب العلم، وهذا هو الذى ذكره المصنفون فى أصول الفقه من أصحاب أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا فى ذلك طائفة من اهل الكلام انكروا ذلك، ولكن كثيرا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث والسلف على ذلك].
34. [وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجبا للقطع به: فالاعتبار في ذلك بإجماع أهل العلم بالحديث، كما أن الاعتبار فى الإجماع على الأحكام بإجماع أهل العلم بالأمر والنهى والإباحة].
35. [وطرف ممن يدعى اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظاً في حديث قد رواه ثقة أو رأى حديثاً بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط].
36. [وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك، فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك].
37. [وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة، مثل الحديث الذى يرويه الثعلبى والواحدى والزمخشرى فى فضائل سور القرآن سورة سورة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم].
38. [الثعلبي - (وهو: أحمد بن إبراهيم النيسابوري ت 427هـ) - هو في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد فى كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
و الواحدي - (وهو: علي بن أحمد النيسابوري ت 468 هـ) - صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف.
والبغوي - (وهو: الحسين بن مسعود الفراء ت 510 هـ) - تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة].
39. [وأما النوع الثانى من سببي الاختلاف - وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل - فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثنا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم باحسان ...
أحدهما: قوم اعتقدوا معانى ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها - (مثل من يعتقد نفي الصفات ثم يستدل بقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، أو يعتقد جواز التوسل البدعي ثم يستدل بقوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}) -.
و الثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده مَن كان مِن الناطقين بلغة العرب بكلامه من غير نظر الى المتكلم بالقرآن - (و هو الله عز و جل) - والمنزل عليه - (و هو النبي صلى الله عليه و سلم) - والمخاطَب به - (و هم المرسل إليهم) -.
فالأولون: راعوا المعنى الذى رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
و الآخرون: راعَوا مجرد اللفظ، وما يجوز أن يريد به عندهم العربى من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام].
40. [والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به.
¥