فسمى هذه التفصيلات الدقيقة (فيمن وأين) علماً، وأقواله منثورة في التفسير. قال في قوله تعالى (إذ يحكمان في الحرث فنفشت فيه غنم القوم): كان ذلك الحرث كرماً قد تدلت عناقيده. ابن كثير 3/ 250.
أترى هذه التفاصيل كرماً، وتدلت عناقيده من القشور؟
ستقول: لا. حتماً، ولو تنزيهاً للقائل.
قد لا تحتاج (أنت) إلى هذا المعنى! نعم، هذا وشأنك، لاتُجبر عليه. وهذا باعتبار الوجه الأول من أوجه التفسير.
لكن أهل العلم يحتاجون إليه ليستنبطوا معانٍ شتى في فروع متنوعة. كما في الوجه الثاني.
وإلا فما الفرق بين العالم وغير العالم!
بل إن ابن عباس رضي الله عنهما وهو من دعى له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) والذي يقول ابن مسعود عنه: نعم ترجمان القرآن .. يقول في قوله تعالى (طيراً أبابيل):لهم خراطيم كخراطيم الطير (هكذا) وأكف كأكف الكلب. وصحح إسناده ابن كثير في التفسير 4/ 714.
أتراه قال ما قال معتقداً ذلك من القشور؟!
لا أظن ذلك.
بل قد لاتفهم عمق المعنى في قوله تعالى (ألم يجعل كيدهم في تضليل) حتى لو قرأتها في الظلال، إلا بعد أن تقرأ كامل قصة أبرهة من حين استقل بحكم اليمن وحتى وصل إلى الكعبة كما رواها المفسرون وكما هي في شعر الجاهلية وكما رواها أصحاب التاريخ كابن إسحاق وابن هشام. انظر السيرة النبوية لابن هشام 1/ 74 - 95.
حين أقرأ القرآن وأعيش ظروف الجماعة المسلمة آنذاك فستتجلى لي معانٍ ومعانٍ من هذا القرآن. بلا شك.
وهذا من التدبر الذي هو المقصد الأعظم من إنزال القرآن.
لكن - في المقابل - ستفوتني معانٍ ومعانٍ أُخر أعظم عندما لا أحسن قواعد وأصول وضوابط فهم القرآن. والتي يحسنها أهل العلم بالقرآن تفسيراً وأحكاماً.
وهذا من أعظم التدبر.
وأهل هذا الشأن هم أكثر الناس خشية وعبودية، وأعرفهم بالله، وبدينه. وسيرهم شاهدة على ذلك في القديم والحديث.
بل إن سيد قطب رحمه الله بنى ظلاله في القرآن على إمامين من أئمة التفسير: ابن القيم، وابن كثير .. اللذين هما من مدرسة ابن تيمية رحمهم الله جميعاً.
وما كان له - بعد فتح الله له وتوفيقه - أن يخرج للأمة هذا السفر العظيم لولا تفسير ابن كثير وزاد المعاد.
ثم إن في قراءة كتب التفسير السلفية نفَساً سلفياً هو نفَس أهل السنة والجماعة في التفسير. قد لا يستفاد هذا النفَس إلا بسبرها وإدمان النظر فيها. وهذا ما يسمونه أهل التربية (المنهج الخفي) الذي يتسرب إلى الطباع دون شعور.
وعلى أي حال .. فظني هو أنك تعتني بالوجه الأول من أوجه التفسير ..
فإن كان كذلك فلا تثرب على غيرك، ولا على الأوجه الأخرى.
ونحن وأنت مخاطبون بهذا الوجه.
والله أعلم.
ـ[معن الحيالي]ــــــــ[12 Nov 2007, 11:02 ص]ـ
الحمد لله تعالى .. السلام على الاخوة الكرام الطيبين علماء وطلبة علم وقراء .. فالخير في الجميع.
لي كلمة طيبة اريد ان اقول فيها: ان المقصود من تلاوة القران هو التعبد به اولا وهي من بداهة العلم ... ولكن المرقى والتفاضل هو في التدبر والعمل وهذا محور فهم الصحابة للقران الكريم وكما صح عن منهج ابن عباس رضي الله عنه وعن ابيه انه كان يحفظ العشر ايات فلا يجاوزهن حتى يعلمهن ويعمل بهن.
ولا نريد ان نضع اصحاب الرسول اصحاب الوحي جيل النور في ميدان المقارنة المنطقية التي تتحمل الصواب والخطا باعتبار القضايا النسبية او النسبة الى الشئ .... ونحن في غنى عنها.
والله الموفق الى العلم النافع والعمل به.