تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ورابعها: نقل عن الروافض أن المراد به الأئمة المعصومون، ولما كانت أقوال الأمة في تفسير هذه الآية محصورة في هذه الوجوه، وكان القول الذي نصرتموه خارجا عنها كان ذلك بإجماع الأمة باطلا.

السؤال الثاني: أن نقول: حمل أولي الأمر على الأمراء والسلاطين أولى مما ذكرتم. ويدل عليه وجوه: الأول: أن الأمراء والسلاطين أوامرهم نافذة على الخلق، فهم في الحقيقة أولو الأمر أما أهل الإجماع فليس لهم أمر نافذ على الخلق، فكان حمل اللفظ على الأمراء والسلاطين أولى. والثاني: أن أول الآية وآخرها يناسب ما ذكرناه، أما أول الآية فهو أنه تعالى أمر الحكام بأداء الأمانات وبرعاية العدل، وأما آخر الآية فهو أنه تعالى أمر بالرد إلى الكتاب والسنة فيما أشكل، وهذا إنما يليق بالأمراء لا بأهل الإجماع. الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في الترغيب في طاعة الأمراء، فقال:

«من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني» فهذا ما يمكن ذكره من السؤال على الاستدلال الذي ذكرناه.

والجواب: أنه لا نزاع أن جماعة من الصحابة والتابعين حملوا قوله: {وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} على العلماء، فإذا قلنا: المراد منه جميع العلماء من أهل العقد والحل لم يكن هذا قولا خارجا عن أقوال الأمة، بل كان هذا اختياراً لأحد أقوالهم وتصحيحا له بالحجة القاطعة، فاندفع السؤال الأول: وأما سؤالهم الثاني فهو مدفوع، لأن الوجوه التي ذكروها وجوه ضعيفة، والذي ذكرناه برهان قاطع، فكان قولنا أولى، على أنا نعارض تلك الوجوه بوجوه أخرى أقوى منها: فأحدها: أن الأمة مجمعة على أن الأمراء والسلاطين إنما يجب طاعتهم فيما علم بالدليل أنه حق وصواب، وذلك الدليل ليس إلا الكتاب والسنة، فحينئذ لا يكون هذا قسما منفصلا عن طاعة الكتاب والسنة، وعن طاعة الله وطاعة رسوله، بل يكون داخلا فيه، كما أن وجوب طاعة الزوجة للزوج والولد للوالدين، والتلميذ للأستاذ داخل في طاعة الله وطاعة الرسول، أما إذا حملناه على الإجماع لم يكن هذا القسم داخلا تحتها، لأنه ربما دل الإجماع على حكم بحيث لا يكون في الكتاب والسنة دلالة عليه، فحينئذ أمكن جعل هذا القسم منفصلا عن القسمين الأولين، فهذا أولى. وثانيها: أن حمل الآية على طاعة الأمراء يقتضي إدخال الشرط في الآية، لأن طاعة الأمراء إنما تجب إذا كانوا مع الحق، فإذا حملناه على الإجماع لا يدخل الشرط في الآية، فكان هذا أولى. وثالثها: أن قوله من بعد: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله} مشعر بإجماع مقدم يخالف حكمه حكم هذا التنازع. ورابعها: أن طاعة الله وطاعة رسوله واجبة قطعا، وعندنا أن طاعة أهل الإجماع واجبة قطعا، وأما طاعة الأمراء والسلاطين فغير واجبة قطعا، بل الأكثر أنها تكون محرمة لأنهم لا يأمرون إلا بالظلم، وفي الأقل تكون واجبة بحسب الظن الضعيف، فكان حمل الآية على الإجماع أولى، لأنه أدخل الرسول وأولي الأمر في لفظ واحد وهو قوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر} فكان حمل أولي الأمر الذي هو مقرون بالرسول على المعصوم أولى من حمله على الفاجر الفاسق. وخامسها: أن أعمال الأمراء والسلاطين موقوفة على فتاوى العلماء، والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى، وأما حمل الآية على الأئمة المعصومين على ما تقوله الروافض ففي غاية البعد لوجوه: أحدها: ما ذكرناه أن طاعتهم مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم، فلو أوجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا تكليف ما لا يطاق، ولو أوجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الإيجاب مشروطا، وظاهر قوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} يقتضي الإطلاق، وأيضا ففي الآية ما يدفع هذا الاحتمال، وذلك لأنه تعالى أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله: {وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معا، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر. الثاني: أنه تعالى أمر بطاعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير