تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخطأ في تفسير الآية الكريمة المذكورة في الحديث، ومن ثمَّ الخطأ في مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من سياق الآية والاستدلال بها، ثم الخطأ في معرفة تفسير الآية في قصة لوط عليه السلام والتي بنى عليها الكاتب أن الحديث يدل على إنقاص قدر النبي لوط صلى الله عليه وسلم، والخطأ في فهم مقصود النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن يوسف عليه السلام.

وحتى ينجلي الأمر ويتبين تهافت هذا الفهم الذي قرره صاحب الكتاب هنا لا بد من التمهيد بهذه النقاط:

أولاً: معاني الشك في لغة العرب والقرآن العظيم:

الشك في لغة العرب أوسع معنى منه في الاصطلاح، فهو في الاصطلاح ما تساوى فيه كلا الاحتمالين، ولم يترجح فيه أحد الطرفين (5).

أما في لغة العرب واستخدامات القرآن فهو أوسع استعمالاً، إذ الشك خلاف اليقين، فيطلق على الظن، وعلى الجهل وعدم العلم بالشيء أيضاً.

قال تعالى: (وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علمٍ إلا اتباع الظن) [النساء: 157]. قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: " الشك كما يطلق على ما لا يرجح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم، ولذلك أكده بقوله (ما لهم بذلك من علم) ... ويجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره " (6).

وقال تعالى أيضاً عن الكافرين: (بل ادراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون) [النمل]. قال ابن جرير الطبري: " أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه. بل هم في شك منها يقول: بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت " (7).

وكذا قوله تعالى في على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً المشركين: (إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) [يونس: 104] فليس الشك هنا بمعنى التردد فإنهم كانوا جاحدين كافرين به وبدينه.

وكذا قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) [يونس: 94] أي: إن كنت يا محمد لا علم عندك بما جاء في التوراة والإنجيل من صفاتك وشأنك، فاسأل أهل الكتاب عن ذلك، فإنهم على علم بك لما ورد في كتبهم من خبرك وصفاتك، فإنهم يعرفونك كما يعرفون أبناءهم، وهذا كقوله تعالى: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر) [النحل: 43 ـ 44] (8).

ثانياً: بيان معنى الآية الواردة في الحديث:

قال تعالى: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) [البقرة: 260]:

ليس المقصود هنا أن إبراهيم عليه السلام يشك في قدرة الله تعالى على الإحياء.

ويظهر هذا من وجهين (9):

الأول: أن إبراهيم عليه السلام قد قال (بلى)، وهذا يزيل كل لبس، وينفي كل توهم في نسبة الشك في القدرة إلى إبراهيم عليه السلام.

والاستفهام في قوله تعالى: (أولم تؤمن) للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك) [الشرح: 1] يعني: قد شرحنا لك، فمعنى (أولم تؤمن): ألست قد آمنت. لتقرير إيمان إبراهيم عليه السلام (10).

قال ابن عطية: " إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم أعلم به، يدلك على ذلك قوله: (ربي الذي يحيي ويميت) [البقرة: 258]، فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً" (11).

الثاني: أن سؤال إبراهيم عليه السلام إنما هو عن الكيفية، لا عن الإمكان كما هو صريح قوله: (كيف تحيي الموتى).

قال ابن عطية: " وإذا تأملت سؤاله عليه السلام، وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكاً، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول. نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله ... و (كيف) في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر" (12).

إذا علم ذلك فيبقى السؤال: ما سبب سؤال إبراهيم عليه السلام؟:

والجواب:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير