فإبراهيم عليه السلام إنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد عليه السلام أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين. فقوله" أرني كيف " طلب مشاهدة الكيفية ().
وفي كتاب التسهيل قوله: "كيف" سؤال عن حال الإحياء وصورته لا عن وقوعه ().
وعند الآلوسي: أن الاستفهام هنا عن هيئة الإحياء المتقرر عند السائل، والمعنى: بصرني كيفية إحيائك للموتى، وإنما سأله عليه السلام لينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين ().
وفي محاسن التأويل: أن سؤال الخليل صلى الله عليه وسلم بقوله: " كيف تحيي الموتى " ليس عن شك في قدرة الله على الإحياء، ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ().
2 – أن الألف في قوله: {أولم تؤمن} للتقرير.
قال أبو المظفر: (قوله تعالى: {قال أولم تؤمن} يعني: قد آمنت فلم تسأل؟ وهذا مثل قول الشاعر
ألستم خير من ركب المطايا. يعني: أنتم كذلك) ().
وفي" النكت والعيون " أن الألف في قوله: {أولم تؤمن} ليست ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير ().
3 - أن سؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أجل المعاينة ليس إلا.
وهذا ما أثبته جل أهل التفسير رحمهم الله. قال أبو المظفر السمعاني: (فإن قال قائل: أكان إبراهيم شاكا فيه حتى احتاج إلى السؤال؟ ... فالجواب أنه لم يكن شاكاً فيه، ولكنه إنما آمن بالخبر والاستدلال، فأراد أن يعرفه عياناً) ().
وقد أخبر عليه السلام عن نفسه أنه مؤمن مصدق، وإنما أراد أن يرى الهيئة كما أننا لا نشك في صحة وجود الفيل مثلا، والتمساح،والكسوف، وزيادة النهر، ونصر الله للمؤمنين وغير ذلك، ثم يرغب من لم يشاهد ذلك منا أن يرى كل ذلك، ولا يشك في أنه حق، لكن ليرى العجب الذي يتمثله ولم تقع عليه حاسة بصره فقط ().
وقيل: إنما طلب المعاينة، لأن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به ().
وقيل إنما سأل ليطمئن قلبه بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا ().
وفي كتاب التسهيل:لم يشك إبراهيم في إحياء الموتى، وإنما طلب المعاينة ().
وقال البيضاوي: (إنما سأل ذلك ليصير علمه عياناً) ().
وقال السعدي): قال إبراهيم "بلى" يارب قد آمنت أنك على كل شيء قدير، وأنك تحيي الموتى، وتجازي العباد، ولكن أريد أن يطمئن قلبي، وأصل إلى درجة عين اليقين، فأجاب الله دعوته كرامة له، ورحمة بالعباد) ().
هذه أدلة من ينفي أن يكون سؤال الخليل عليه السلام صدر عن شك، وإلى هذا ذهب الجمهور. وهو الراجح.
ومما يؤيد رجحانه إضافة إلى تلك الأدلة أمور منها.
1 – أن القول به لا يجر إلى محذور شرعي بخلاف القول الأول - الذي فيه قدح بالنبي المعصوم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم - وهذا بحد ذاته كاف في ظهور هذا القول وبطلان القول الآخر، فكيف إذا انضاف إليه غيره.
2 - كثرة القائلين به، بل هو قول الجمهور ().
3 - ضعف الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول.
4 - أن إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع،وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به،يدل على ذلك قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} فالشك يبعد على من تثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة ().
5 - الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا ()، ولا يجوز عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث ().
6 - قد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} () وذكر أن اللعين لن يغوي عباده المخلصين فقال: {إلا عبادك منهم المخلصين} (). وإذا لم يكن للشيطان سلطة عليهم فكيف يشككهم، بل كيف يلقى في قلب الخليل عليه السلام ما يجعله يشك في إحياء الموتى.
وبهذا يتضح لنا رجحان هذا القول والله أعلم.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[23 Nov 2007, 11:09 ص]ـ
بارك الله فيك
هلا دللتنى علي كيفية الاحياء التي رأها الخليل.
ـ[محمد فال]ــــــــ[23 Nov 2007, 10:08 م]ـ
جزى الله الجميع خيرا الجزاء على نشر العلم، ودحض الشبهات
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[01 Dec 2007, 04:58 ص]ـ
وقولك وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) [الأنبياء: 87].
لاوجه للمقارنة حيث الآية تقررماكان وحكمه ونتيجته أما الحديث فيقارن بين مافعل يوسف وماكان سيفعل النبي صلي الله عليه وسلم لو لبث ...
المقصود أخي الكريم مصطفى؛ أن ما استبعده الكاتب هنا وهو ذكر بعض ما وقع فيه بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الحديث كما وقع من لوط عليه السلام من تمنيه العصبة المانعة من قومه، مذكورٌ معناه في كثير من الآيات إذ هم بشر، وقد ذكر الله ذلك في مواطن من كتابه وليس ذلك انتقاصاً منهم عليه صلوات الله وسلامه، بل قد ذكر القرآن عتاباً لأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وليس ذلك انتقاصاً حاشاه عليه الصلاة والسلام ...
آمل أن يكون قد اتضح ما أردت ..