والأسماء بأنواعها ومنها الضمائر المتصلة والمنفصلة يعد كل اسم منها كلمة عند النحاة
والأفعال بأنواعها (الماضي والمضارع والأمر) كل فعل منها يعد كلمة عند النحاة
فعلى سبيل المثال: قوله تعالى: (فلننبئن)
الفاء: كلمة لأنها حرف شرط
واللام: كلمة لأنها حرف توكيد موطئ لجواب قسم مقدر
ننبئ: كلمة لأنها فعل
والنون الأخيرة: كلمة لأنها حرف توكيد
فعلى اصطلاح النحاة تحتوى هذه اللفظة على أربع كلمات
واصطلاح النحاة حادث لأن نشأة هذا التقسيم كانت في أواخر زمن الخلافة الراشدة على أقدم الأقوال إن صح أثر أبي الأسود الدؤلي عن علي رضي الله عنه
وإلا فتكون أول نشأته في زمن الخلافة الأموية.
وأما عند أهل اللغة فالكلمة لها معنى آخر مختلف، فإنهم يشترطون الإفادة فلا تعتبر الكلمة كلمة حتى تفيد معنى، وهذا لا يتأتى إلا في الجملة المفيدة، فيعدون الجملة المفيدة كلمة
وعلى هذا جرى استعمال العرب في كلامهم وورد هذا الاستعمال في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وعليه شواهد كثيرة من كلام العرب
وانا أذكر لك بعض هذه الأدلة من باب التمثيل:
فمن القرآن الكريم:
1: قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها) فسمى الجملة كلمة.
2: قوله تعالى: (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) ومعلوم أنها لا تعتبر كلمة كفر حتى تفيد معنى الكفر
3: قوله تعالى: (وينذر الذين قالوا اتخذا الله ولداً ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم) فسمى تلك الجملة كلمة.
فهذا معنى الكلمة في كلام الله تعالى
وهي كذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومن شواهد ذلك:
1: قوله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب عند وفاته: (يا عم قل: (لا إله إلا الله) كلمة أشهد لك بها عند الله) رواه البخاري من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه
2: وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالساًَ مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد) رواه البخاري أيضاً
3: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: (ألا كل شيء ما خلا الله باطل)) متفق عليه
4: ومن أصرح الأدلة في هذا ما أخرجه مسلم من حديث عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ حَدَّثَهُ أَنَّ كُرَيْبًا حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَسَكَبَ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي الْوُضُوءِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً قَالَ سَلَمَةُ حَدَّثَنِيهَا كُرَيْبٌ فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَنَسِيتُ مَا بَقِيَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَمِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا وَمِنْ خَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا وَأَعْظِمْ لِي نُورًا)
وهي كذلك في كلام العرب، ومن شواهد ذلك:
1: قول أبو ذؤيب الهذلي:
وما أم خشف بالعلاية ترتعي وترمق أحياناً مخاتلة الحبل
بأحسن منها يوم قالت كُلَيمَة: أتصرم حبلي أم تدوم على الوصل
فسمى هذه الجملة كُلَيمة، مع أنها جملة مفيدة
2: وقول: جحاش بن قيس لامرأته وذلك في فتح مكة:
إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة
واستقبلتهم السيوف المسلمة تقطع كل ساعد وجمجمة
ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
ومعلوم أن االكلمة لا تفيد معنى اللوم حتى تكون جملة مفيدة لمعنى اللوم
3: وقول عروة بن أذينة:
يا ديار الحي بالأجمة لم يكلم سائلاً كلمة
وجواب السائل لا يكون إلا بجملة مفيدة
فهذا إطلاق الكلمة في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام العرب الذين أنزل القرآن بلغتهم.
ولسنا بصدد تحقيق لغوي حتى نسهب أكثر ولو احتيج إلى ذلك فهو متيسر بحمد الله تعالى.
ولكن خذ هذه الفائدة أيضاً:
قال البيهقي في سننه [2/ 44]: (أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المقرئ ببغداد ثنا أحمد بن سلمان ثنا محمد بن إسمعيل السلمى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا همام بن يحيى عن ابن جريج عن ابن ابى مليكة عن أم سلمة رضى الله عنها أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت (بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين) يعني كلمة كلمة).
¥