تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ستتعجب جدًّا من تلك القابلية المدهشة للتصديق عند المجتمع ككل، قل ما شئت وستجد من يصدقك دون دليل حينما تقول إن هذا الشيء (أي شيء يروق لك) لم يكن معروفًا منذ أربعة عشر قرنًا ثم جاء العالم هوبكنز إدوارد (لا يوجد هذا الاسم على الإطلاق) واكتشف بالضبط نفس ما قال القرآن، ونال بسبب هذا جائزة بولتيز للعلوم، والتي تضارع جائزة نوبل (وبالطبع لا توجد جائزة بهذا الاسم) ولكنهم سيصدقونك لأنهم يريدون التصديق ولن يبحث خلفك أحد!!

وفي النهاية ستجد نفسك مترددًا؛ لأنك تمارس خطيئة هدم السلام النفسي لآخرين ليس بمقدورهم (فكريًّا ولا نفسيًّا) ممارسة إيمان الشجعان!!.

معروف أن إيمان العوام راحة ما بعدها راحة، ولطالما شقا المفكرون والفلاسفة في بحثهم الدءوب عن الإيمان (ولنا في شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ مثل صارخ) ولعلهم يحسدون العوام على راحة البال وسهولة الإيمان.

لعبة الجميع!!

ولكنك ستعود لتقول لنفسك: إن صناعة المعجزة لعبة يمارسها اثنان وثلاثة وعشرة أيضا، فالمعجزات للأسف ليست حكرًا علينا كمسلمين، ولو سألت جيراننا في الوطن أقباط مصر، ستجد لديهم ملء عشر حقائب من المعجزات، ليس أقلها تجسد العذراء مريم رضي الله عنها وأرضاها!!.

ثم إنك في النهاية تعبر عن اقتناعك الشخصي بمرامي القرآن الكريم نفسه، فديننا ليس بحاجة أبدًا لألاعيب الحواة، والخارقة التي تقهر العقول على التصديق مبدأ مرفوض في القرآن كما يبدو من سياق الآيات. فالقرآن جاء بالرشد العقلي وبدأ بكلمة (اقرأ). ليس عندنا شق البحر، ولا إحياء الموتى، ولا طائر يعود للحياة بعد ذبحه، مثلما كانت آيات الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم. وإنما يوجد رجل فقير عاش زاهدًا ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، أخذ بكل أسباب الدنيا، وبذل من الجهد ما لا يخطر على بال بشر، وبرغم فقره يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويؤلف القلوب، ويعفو عن المسيء، ويحزن لمن لم يهتدِ، ويبيت بلا طعام، يعبد الله وينام، ويداعب أصحابه، ويتزوج، ويحزن، ويفرح، ويموت أحبابه فلا يطالب ربه بمعاملة خاصة، يموت أبناؤه فيزداد حبًّا لربه، وحينما ضُرِب وأوذِي ومرض لم تكن له معاملة خاصة، لم ينزل ملك من السماء لنجدته، ولم تُخرَق نواميس الكون لمصلحته. هل يعجبكم هذا النبي؟ أم تريدون كيانًا نورانيًّا تحابيه السماء؟.

لا حاجة لافتعال المعجزات

إن وجود الخارقة التي تجبر العقل على التصديق ضد الخط العام للقرآن نفسه، بل حتى المعجزة التي جاءت طائعة مثل خسوف الشمس لحظة دفن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وتهامس الصحابة أنها خسفت حزنًا لموت ابن النبي الذي انتظره طويلاً، فرغم أحزانه الطويلة لم ينسَ النبي - لأنه نبي - أن يغضب ويقول: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تخسفان لحياة أحد ولا لموته" لماذا قال هذا؟ لأنه ببساطة غير حقيقي!!.

لقد تصور المسلمون أن السماء ستجاملهم، وجاء الدرس العملي في غزوة أحد ليؤكد لهم خطأ هذا الاعتقاد، فإن سنن الله تسير في الأرض ولا توجد أية محاباة من أي نوع؛ ولذلك لم يندهش المسلمون للطريقة البشعة التي قُتل بها الحسين، ولم يتوقعوا أن تتدخل السماء لنجدته وهو أحب خلق الله وأكرمهم على الله في الأرض وقتها. ولم يترتب على مقتله شك البعض في الدين نفسه، وهذا ما كان سيحدث لو كانوا يفكرون بنفس الطريقة الحالية.

لقد نزل القرآن على رجل أمي راعي غنم، من ألف وأربعمائة عام في بيئة قاسية في عصر التفسيرات الخرافية للكون والطبيعة، ولو كان هذا الكتاب من تأليفه لكان تعبيرًا عن روح عصره، وعن الأفكار الخاطئة المشوهة، ولظهرت التصورات الساذجة في كل صفحة منه، بل في كل سطر.

لسنا بحاجة إلى افتعال معجزات خارقة والله؛ لأن بهاءه أوضح من الشمس في وضح النهار. ولأننا لسنا بحاجة لمزيد من سكب الوقود على نار الفتنة، فنحن لا نطلب رشدًا عقليًّا نعرف أن مجتمعنا لم ينضج له، ولكننا نطلب فقط أن تكون تلك المعجزات العلمية في القرآن من قبيل اللطائف والإشارات، وليس من قبيل الحقائق التي (يجب) علينا الإيمان بها، ووقتها فقط لن يكون هناك معارض واحد لهذا المنهج، بل سنصغي إليه كلنا في استحسان. وعلى الله التوفيق.

(نقلت هذا الموضوع للاطلاع والفائدة من صحيفة المصريون: http://www.almesryoon.com/ShowDetails.asp?NewID=40663)

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Nov 2007, 01:41 م]ـ

جزاك الله خيراً يا أبا بيان على إطلاعنا على المقال.

والمقال جيدٌ ينبه على منهج بعض الباحثين فيما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم ومبالغتهم في تحميل بعض الآيات ما لا تحتمله، ونشر هذه الدراسات والبحوث مكتوبة، وترويج بعض المشتهرين بالحديث عن الإعجاز العلمي لمنهجية خاطئة في التعامل مع القرآن الكريم وعدم قبولهم أي نوع من أنواع النقد، واعتبارهم هذا النقد العلمي المنضبط نوع من التجريح والتجهيل، دون التفات إلى حرمة الكلام في التفسير بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

نحن بحاجة ماسة للحديث حول هذا الموضوع، والتنبيه عليه مرة بعد مرة حتى لا يروج الباطلُ بحسن نية من بعضهم بين الناس، والأمر في نهاية المطاف لا يستحق كل هذه التكلفات لنصرة الدين أو لدعوة غير المسلمين. وليتنا نعقد ندوة علمية في الملتقى لطرح هذا الموضوع نعد لها إعداداً جيداً، ويدور النقاش العلمي فيها حول هذه القضية العلمية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير