عندما كنتُ رئيساً لِشُعْبَةِ التفسير في قسم الدراساتِ العليا بالجامعة الإسلامية منعْتُ هذا الاشتراكَ، ومنعْتُ ظاهرةً أخرى هي "المَرْوِيَّات"؛ مَرْوِيَّاتُ فلانٍ في التفسير، وبعضُهُم يغلَطُ فيسميه تفسيرَ فلانٍ، ناسباً إليه مُصَنَّفاً في التفسير وهو ليس كذلك ..
كلُّ هذه التصرفاتِ في الدراسات العليا أضعفتْ الدراساتِ عموماً؛ في التفسيرِ وعلومِ القرآنِ، وفي غيرِهِ من العلومِ.
ومع أنَّ مجالَ علومِ القرآنِ مجالٌ خَصْبٌ لِمُخْتَلَفِ أنواع الدراساتِ فإنَّ مُعْظَمَ جهودِ الباحثين والدارسين تتجه إلى تحقيق المخطوطات، يستسهلون هذا الجانبَ لأنهم لا يعرفونه ولا يُوَفُّونَه حقَّه، يظنون أن قراءة النصِّ المخطوط عمليةٌ "ميكانيكيَّةٌ" سهلةٌ، وهي ليست كذلك.
لكنَّ مجالَ علوم القرآن "الثمانين" أو المائة على عدِّ السيوطي لا تزال تحتاج إلى دراساتٍ من كل نوع ..
ومجالُ التفسير أكثَرُ رَحَابَةً وأشدُّ حاجةً إلى ذلك؛ فمجالُ التأمُّلِ والتَّدَبُّرِ للقرآنِ لا زال مفتوحاً على مصراعيه ..
كتابُ "الإتقان" للسيوطيِّ ما زَالَ مُحْتَاجاً إلى قراءةٍ جديدةٍ وتحقيقٍ مُتْقَنٍ يليق بمثل هذا الكتاب، وإلى شرحٍ وتَحْشِيَةٍ وفَهْرَسَةٍ، واختصارٍ، ودراساتٍ لمحتواه ..
http://www.tafsir.net/images/fasil.gif
11- ـ شبكة التفسير: لا زال المتعلمون يحسون بنقص الدروس في التفسير وعلوم القرآن، فما رأيكم في حلِّ مثل هذه المشكلة، ويكف يمكن أن يُحرَّك المتخصصون لإلقاء الدروس والمشاركة في إظهار ما عندهم من علم في الدورات والندوات؟
د. عبد العزيز القارئ: يبدو لي ـ والله أعلم ـ أن المشكلة إدارية أو سياسية؛ فأنا أعرف عدداً من علماء التفسير لا يشاركون في تدريس التفسير لا في الدورات التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولا في دروس الحرمين؛ لأنهم لم يُدْعَوا إلى ذلك بل المُشَاهَدُ أن هناك ضعفاً عامَّاً في الدروس العلمية خاصةً في الحرمين، هناك حلقات ممتازة لعلماء معروفين لكنها تُعد على أصابع اليد الواحدة، والكثير ممن انْتُدبَ للتدريس في الحرمين أو في الدورات العلمية ليس مؤهَّلاً لذلك، وكثيرٌ من العلماء المؤهلين بقوا خارج الدائرة؛ وهذا من سوء الإدارة وفشل السياسة!!
كان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حريصاً على شيئين:
أولهما: التدريس في الحرمين: فكان ينتدبُ العلماءَ لذلك ولو من خارج المملكة: كالشيخ عبد الرزاق حمزة، والشيخ محمد حامد الفقي، وهما من مصر، وكانا يدرسان بالمسجد الحرام.
والآخر: إمامة الحرمين؛ فقد كان حريصاً على تقديم المؤهلين لذلك، وإذا لم يجد داخلَ المملكة من يصلح لذلك كان يستقدم القراء من الخارج، فالشيخ عبد المهيمن أبو السمح وهو من مصر أمَّ بالمسجد الحرام، وأستاذنا الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله، وهو من المغرب أمَّ بالمسجد النبوي لعام أو أقلَّ فالحرمان الشريفان يتعلقان بالعالم الإسلامي وليس بالمملكة وحدها ..
واليوم ـ والحمد لله ـ لا يُحتاج إلى مشاركة أحدٍ من خارج المملكة لا في الإمامة لوفرة القراء داخلها، ولا في التدريس لكثرة العلماء في المملكة؛ لكنَّ المؤسف أنه مع وفرة القراء في المملكة قدم لإمامة الحرمين أحياناً من ليس مؤهَّلاً لذلك، ومع كثرة العلماء المؤهلين تصدَّر للتدريس بالحرمين من ليس أهلاً لذلك؛ وأظنُّ أنَّ السبب سوءُ التصرف إدارياً، وقد بلغني أن أحد "اللَّحَّانِين" من أئمة الحرمين الآن، إنما رشحه موظفٌ رسميٌّ إداريٌّ رفيعٌ لا يعرف التجويد أصلاً، سمعه يؤمُّ في مسجد بمكة فأُعجب بصوته، ولم يدْرِ أنه "لَحَّانٌ" أي كثيرُ الخطأ في التجويد.
http://www.tafsir.net/images/fasil.gif
12- ـ شبكة التفسير: مما لا يخفى على مثلكم أن للعالِم أمنيات، ولا يكاد يحقق منها إلا القليل فما الأمنيات التي تودونها في تخصص الدراسات القرآنية، ولم تستطيعوا تنفيذها، لعل هناك من يقوم بها من الباحثين الذين يطلعون على هذا اللقاء؟
¥