تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فمما لاشك فيه أن تفسير الجملة القرآنية بعيدة عن سياقها التي وردت فيه يعد خطأ فادحا يرتكبه المفسر، وذلك للما للسياق من أهمية في مجال اللغة، وبالتالي قيمته الكبيرة في بيان النص القرآني،ولعل ما دعاني لتناول هذا الضابط على وجه خاص قراءتي – مصادفة – لما ذكره ابن القيم في (جلاء الأفهام:1/ 172 - 173) في قوله: " لما سمع بعض العرب قارئا يقرأ] والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله [ .. (والله غفور رحيم)، قال: ليس هذا كلام الله تعالى، فقال القارئ: أتكذب بكلام الله تعالى، فقال: لا ولكن ليس هذا بكلام الله؛ فعاد إلى حفظه وقرأ] والله عزيز حكيم [فقال الأعرابي: صدقت عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع.لهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه ".

إذن للسياق أثر كبير على مقصود دلالة المتكلم، وكما قيل "أحيانا يكون الجهل المطلق خيراً من الفهم الناقص".

والمقصود بـ"السياق": الجو العام الذي يحيط بالكلمة وما يكتنفها من قرائن وعلامات.

وقد أدرك العلماء قوة الترابط بين اللفظ والمعنى ومراعاة السياق، فقال العز بن عبد السلام (انظر الإشارة إلى الإيجازص220):"إذا احتمل الكلام معنيين وكان حمله على أحدهما أوضح وأشد موافقة للسياق كان الحمل عليه أولى ". وقال الزركشي في برهانه:2/ 200:" ... من الأمور التي تعين على المعنى عند الإشكال دلالة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة وهو من أعظم القرائن الدالة علي مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته ".

وعليه فقد يستخدم القرآن صيغة الأمر ويقصد بها مدلولها الظاهر عندما يقول: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل} وقد يقصد بها الإباحة عندما يقول: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} عقيب الحظر في قوله: {لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ {، وقد يقصد التهديد عندما يقول: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ}، وقد يقصد التعجيز والتحدي عندما يقول: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} أو عندما يقول على لسان هود -عليه السلام- {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ}، وهكذا.

لقد استخدمت هذه الآيات جميعا في صيغة الأمر: "أقم"، "فاصطادوا"، "فاعبدوا"، "فأتوا"، "فكيدوني" فما الذي جعلها تعطي مدلولات مختلفة بل ومتناقضة أيضا؟ إنه السياق القرآني والقرائن الخارجية.

ومن ثم فقد اعتنى المفسرون بالسياق عناية ظاهرة، ورعوه حق رعايته، وأنزلوه منزلته العالية في التفسير من لدن الإمام ابن جرير الطبري الذي أجاد وأفاد في مجال التأصيل والتطبيق، وانتهاء بالتفاسير الحديثة التي نورد منها نموذجا يوضح ذلك:-

يقول الشيخ سعيد حوى في تفسير قوله تعالى {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَة}:"وأما النهي عن إهلاك النفس، فإذا نظرنا إلي النص مجردا كان له معنى، وإذا نظرنا إليه من خلال الآية التي هو فيها أعطانا معنى آخر، وإذا نظرنا إليه أنه جزء من السياق أعطانا معنى جديدا، وكل هذه المعاني مرادة وكلها قد ذكرها أئمة التفسير عند شرح الآية؛ فإذا نظرنا إلي النص مجردا فهمنا منه أنه نهي عن قتل أنفسنا، أي لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم كما يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب في هلاكها، وهل يدخل في ذلك ما لو أمر إنسان بمعروف أو نهي عن منكر فقتل؟ الجواب لا؛ بل هو مأجور، ويدخل في ذلك ما إذا هاجم الكفارَ وألقى بنفسه عليهم فقتل؟ قالت الحنفية إذا كان بفعله هذا ينكي فيهم ويلقي الرعب في قلوبهم. "

وإذا نظرنا إلي هذا الأمر ووروده بعد الأمر بالإنفاق فهمنا منه أنه نهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله، لأنه سبب للإهلاك ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن حذيفة في الآية قال نزلت في الإنفاق " (انظر الجامع الصحيح: كتاب التفسير، باب تفسير سورة البقرة، أو فتح الباري: 8/ 33). .

وأورد الشيخ سعيد أقوالا أخرى عن ابن عباس وعن الضحاك وعن سعيد بن جبير وعن الحسن البصري تؤيد ذلك، ثم أتبعها بقوله:" وإذا نظرنا إلي هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال فهمنا منه أنه نهي عن ترك الجهاد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير