تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المنافقين بكثرة، وآياته في الغالب طويلة .. هذه علامات للقرآن المكي أو المدني. لكن هذا في الغالب، وإلا فإن سورة الأنعام مكية وآياتها طويلة.

الفائدة من معرفة المكي والمدني:

يستفاد من هذا العلم فوائد عديدة:

أولها: معرفة الناسخ والمنسوخ، فإذا عرفنا ما نزل بمكة وما نزل بالمدينة؛ عرفنا المتقدم من المتأخر؛ فيتبين لنا الناسخ من المنسوخ.

ثانيها: معرفة كيفية تدرج التشريع، وما هي الأمور التي خاطبهم بها في مكة، وما هي الأمور التي خاطبهم بها في المدينة، وكيف نقلهم طورا بعد طور.

ثالثها: أنه يعطي ثقة كبيرة في ثبوت القرآن و تاريخه، فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عرفوا أين نزلت كل آية، وكيف نزلت، وزمان نزولها وضبطوا تواريخ ذلك كله؛ فأين هذا من الكتب السابقة؟! وهل مثل هؤلاء يفرطون في آية واحدة تضيع من كتاب الله؟! فكيف بثلثي القرآن وما شابه ذلك مما يقوله الأفاكون.

أنواع السور من حيث مكيتها ومدنيتها:

هي على أربعة أنواع:

الأول: ما كان مكياً بأجمعه، ومثاله: سورة المدثر.

الثاني: ما كان مدنيا بأجمعه، ومثاله: سورة آل عمران.

الثالث: ما كان مكياً وفيه آيات مدنية، ويمثلون لذلك بسورة الأعراف، وهي سورة مكية، لكنهم يستثنون منها بعض الآيات ويقولون: إنها مدنية، وإن كان هذا يحتاج إلى تأمل.

الرابع: ما كان مدنياً وفيه آيات مكية؛ ويمثلون لهذا بسورة الحج، فإنها سورة مدنية لكنهم يستثنون منها بعض الآيات ويقولون: إنها مكية، وإن كان هذا أيضا يحتاج إلى تحرير.

خاتمة مهمة:

ينبغي العناية بها والتفطن لها لمن أراد أن يعرف فقه الشريعة، وتدرجها بالمكلفين في الرقي بهم إلى مراتب الكمال، وكيف نقلتهم من طور إلى طور، ولماذا أمر الله عز وجل بهذا الأمر في هذا الوقت، ثم أمر في وقت الآخر بذلك الأمر، وهو:

أن السور والآيات المدنية ينبغي أن تنزل في الفهم على الآيات والسور المكية، وهكذا المكي بعضه مع بعض، وأيضاً المدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في النزول. فإذا فهمت هذا الأصل صار لك من الفقه شيء كثير؛ وذلك أن جميع الرسالات وشرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي بمثابة اللبنات التي يكتمل بها البناء، ويرتبط بعضه ببعض فتمثل صرحا لهداية البشرية، يوضح ذلك الحديث المشهور الذي أخرجه الشيخان (خ / 3535، م / 2286) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة .. قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) فهذه منزلة هذه الشريعة بالنسبة للشرائع السابقة، وهذه منزلة هذا النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للأنبياء السابقين، وهكذا ينبغي أن يكون النظر أيضا في داخل هذه الشريعة؛ فحينما ننظر إلى الآيات والسور المكية، ينبغي أن ننظر إلى الآيات والسور التي سبقتها فننزل المتأخر في الفهم على المتقدم، ونراعي ذلك فيه، وهكذا ما نزل في المدينة نلاحظ فيه هذا الترابط ونلاحظ فيه هذا التعاقب، كما أننا نلاحظ فيه أيضا البناء في الفهم على ما نزل قبله بمكة.

فالحاصل أن هذه الشريعة جاءت متممة لمكارم الأخلاق، ومصلحة لما أفسده الناس من ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، هذه منزلتها بالنسبة للشرائع التي كانت قبلها. وهكذا يكون القول في هذه الشريعة بعضها مع بعض، كما يقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات: فالمتأخر مبني على المتقدم و مبين له ومتتم له وشارح.

ومما يدل على ذلك أن الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على ما قبله، وهذا معلوم من جهة الاستقراء إذ إن المتأخر غالباً هو بيان لمجملٍ قبله، أو تخصيص للعام قبله، أو تقييد للمطلق أو تفصيل لما لم يفصل، أو تكميل لما لم يظهر تكميله مما قبله.

فالمحصلة أنه لا بد للمفسر من مراعاة ذلك حينما ينظر في كتاب الله تبارك وتعالى، فيراعي هذا الترابط بين الآيات المكية والمدنية، والآيات المكية بعضها مع بعض، وهكذا المدنية.

مثال ذلك: سورة الأنعام سورة طويلة نزلت كاملة في مكة، وهي من أوائل السور النازلة في مكة، وتُعنى بتقرير الأصول الكبار في العقائد، وهي مشتملة على كليات الشريعة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ كان أول ما نزل عليه في المدينة سورة البقرة، ومن تأمل سورة البقرة وجد أنها تفصيل لتلك القواعد المجملة في سورة الأنعام، وهي مبينة لأقسام أفعال المكلفين، ومقررة لقواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام كما يقول الشاطبي رحمه الله. فإنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها، كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها، وأيضا فإن حفظ الدين فيها وحفظ والنفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها، وهذه الأمور الخمسة هي التي تسمى الضرورات الخمس، وما خرج عن المقرر فيها فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبني عليها، وإذا تَنَزَّلْتَ إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب وجدتها كذلك حذو القذة بالقذة، فلا يغيبن عنك هذا المعنى الكبير والأصل العظيم في فهم كتاب الله تبارك وتعالى. وهذا من أنفع الأشياء لطالب العلم.

الحلقة الرابعة http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2049

http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1728&highlight=%C7%E1%E3%E5%E3%C7%CA الحلقة الثالثة من المهمات

http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1520&highlight=%C7%E1%E3%E5%E3%C7%CA الحلقة الثانية من المهمات

الحلقة الأولى من المهمات http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1274&highlight=%C7%E1%E3%E5%E3%C7%CA

مقدمة المشاركات العلمية لفضيلة الشيخ خالد في الملتقى http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1273&highlight=%C7%E1%E3%E5%E3%C7%CA

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير