تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الفرق من زاوية واحدة تتعلق بمناحي استخراج الدلالات وما يفيد في ذلك.

والأصل في الإخبار عن الحدث أن يكون لصيقا به ولا يجاوزه، وإن كان الحاصل أيضا أنه يتضمن أثرا أسبغه عليه من تحول على يديه الحدث إلى الخبر بالإدراك له وبالنقل، وهو أثر يرد من إنشاء الخبر وذكره، وهو أثر يحتمل قدرا من التحوير والتغيير، بالإضافة إليه أو بالاجتزاء منه أو بالتبعيض له بذكر بعض مظاهره دون بعض، فما لا يعتبر لدى كثيرين مما يكمل الحدث، قد يعتبر لدى آخرين أجزاء متممة ومكلمة له وأن تكون من مقتضاه، كانتقال مال من يد شخص إلى يد شخص، يخبر بها معزولة عما يكملها من اتفاق أو أفعال غصب أو غير ذلك، والأمر أحيانا يدق فلا تكون الزيادة أو النقصان أو الاجتزاء مقصودة ممن أخبر بالحادث ولكنها تكون بسبب عدم تبين المخبر أو بسبب أن تكوينه العقلي المسبق وتجاربه السابقة لم تمكنه من استيعاب جملة ما يعتبر من أجزاء الحدث أو متمماته، مصداق ذلك ما ورد بالقرآن الكريم "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" (البقرة الآية 282).

ثم هناك التشكل العقلي والثقافي وما يولده نوع الخبرات المتراكمة لدى من ينشئ الخبر أو ينقله بما يجعل المخبر يسبغ على الحدث من أحكامه أو تقاريره أو أوصافه التعبيرية ما يتحول به الحدث على يديه إلى الإخبار عنه وصياغته في نص. فمثلا واقعة أن جماعة من الناس تجمعت في الطرق وصارت تهتف هتافا ما، فهذا حدث، ولكن الإخبار عنه قد يورد له وصفا، فهو انتفاضة أو ثورة أو فتنة أو تمرد شعب أو غير ذلك، وهذا الوصف هو ما أضافه الخبر إلى الحدث عندما صار نصا، وهو يحمل أثرا واضحا لمن نقل الحدث وحوله إلى خبر.

النص الإخباري وخصائصه

إن النص في هذه الحالة يكون وسيلة للإخبار بحدث، هو إدخال للحدث في صيغة كلامية من صيغ التعبير بالكتابة أو المشافهة، وهو في ذلك يحمل وصفا للحدث، وصفا ممن تولى صياغة الإخبار به، حسبما ذكر في الفقرة السابقة، فثمة عدد من الخصائص للنص الإخباري (أو النص التاريخي) وهي خصائص لصيقة به لا تكاد تنفك عنه، ومنها:

أولا: أنه نص يتعلق بحدث سابق عليه، أي أنه نص يكون معبرا ومخبرا عن حدث سابق، ومن ثم يكون نصا تاريخيا لأن وجود الخبر يقيد دائما وقوع المخبر عنه وأنه قد مضى.

والأحداث نوعان من حيث الزمان: نوع فوري الحدوث، أي يحدث بدءا وتماما في ذات اللحظة بما يصعب معه في تعاملات الناس الفصل الزمني بين البدء والتمام، مثل الصور المعروفة عن تعبير الشخص الطبيعي عن إرادته القانونية أو أي قول يصدر من شخص معين أو قتل إنسان أو ضربه، ونوع ممتد يستغرق زمانا يدركه الناس في معاملاتهم العادية، مثل القرار الإداري المركب الذي يتشارك في إصداره عدد من الجهات أو المجالس أو المؤسسات، ومثل أحداث التاريخ عامة كحرب مثلا أو عملية انتخابات لمجلس تشريعي تستغرق شهرا أو شهرين، فالغالب فيها أنها أحداث ممتدة زمانيا وليست من نوع ما يبدأ وينتهي في لحظته، إنما هي تبدأ وتستمر في التشابك وسط صراعات ومجادلات بين قوى عديدة، متعارضة أو متخالفة أو تتخلق في مراحل التشكل حتى يكون تمام اكتمالها هو تمام انتهائها وبداية ما ولدت من آثار، ويكفي أن نضرب مثالا على ذلك بحادث حرب أو حادث ثورة أو حادث بناء نظام سياسي.

وأن النص أو النصوص التي تخبر عن أي من الأحداث سواء أكانت أحداثا فورية أو ممتدة إنما تكون مما يخبر عن ماض تنبئ به وتصفه، ووصف الحدث عند ذكره يبدو في الغالب الأعم من الحالات لا مندوحة عنه، لأن الوصف يلتبس بالتعبير عن الحدوث، فأخذ المال من شخص إلى شخص لا يعبر عنه بهذا اللفظ إلا في النزر اليسير من الحالات، إنما يقال أعطى أو استولى أو استرد أو تقاضى أو منح أو استلم، والغالب من هذه الألفاظ أنها تحمل ظلالا من معان تعبر عن رضاء أو كره فضلا عن لفظ اقتحم أو اغتصب أو غير ذلك، والمهم هنا أننا نتعرض لحدث مفرد، ومهما كان له أو صار له من متشابهات فإنه معين بذاته وليس نمطا متكررا، أو بمعنى أدق ليس المقصود عند الإخبار عنه ذكر جنس له أو نوع، إنما المقصود إفراده بذاته بما ينبئ عنه ويبينه، ولذلك فإن من يتكلم عنه أو يبحثه أو يتعامل معه بأي من وجوه التعامل إنما يتعين أن يدخل إليه في ماضيه وينظر إليه ويستبينه في بيئته وفي سياقه الذي حدث فيه وتفاعل معه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير