تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا ما يفترق به تماما النص التشريعي عن النص الإخباري أو التاريخي من حيث الطبيعة والخصائص ومناهج التعامل معه، النص التشريعي نتفهمه في سياق ما يتلوه من وقائع، والنص الإخباري نتفهمه في سياق ماضيه وما واكب نزوله.

ثانيا: النص الإخباري بوصفه صيغة لإثبات حدث مضى أو تبيينه، يرتكز في مصداقيته على وسائل التحقيق لأدلة الإثبات للوقائع والتصرفات، أو لمنهاج التحقيق التاريخي للأحداث، ووسائل التحقيق والإثبات في مجال الحقوق والقانون معروفة للوالجين في مجال هذا العلم بفروعه المدنية والإدارية والجنائية، كما أن مناهج تحقيق الأحداث العامة والتاريخية معروفة لذويها، وفيها نقد الرواة الذين تناقلوا ذكر الحدث ونقد الوثائق والمستندات التي دلت عليه واشتملت على ذكره في مدوناتها.

ودلائل الثبوت هنا تتراوح في القوة والضعف، كما تتراوح في نسبية الدليل ومدى حجيته، وفي مجال الحقوق فإن الفروق معروفة في الحجية وطبقا لمداها بين الإقرار على النفس أو الشهادة على الغير أو القرائن بدرجاتها المتباينة، وفي مجال علوم الاجتماع والتاريخ فإن ذكر الوقائع والأحداث يتوافر لها كذلك في الحجية ما يتراءى من مدى حياد المصدر أو انحيازه ومدى مصداقيته، فيما عرف عنه ومدى ضبطه في التثبت، وتتقوى دلالة الثبوت وتضعف وفق ما يتبين في هذا الصدد.

ومن ناحية أخرى أهم، فإنه متى ثبت حدوث الفعل، فيستحيل بعد ذلك إلغاؤه أو نفيه، لأنه فعل مضى وانتهى، ويستحيل إلغاء الماضي كما يستحيل تغيير وقائعه وأحداثه أو تعديل ما وقع.

والنص التشريعي يخالف النص الإخباري (أو النص التاريخي) في هذا المجال من طرفيه، فالنص التشريعي يحتاج للإقرار بقيامه ووجوده إلى درجة أو حد أدنى من اليقين في ثبوت لا يمكن النزول عنها، وإلا انتفى النص التشريعي، لأنه لا يمكن أن يتحاكم الناس في حاضرهم ومستقبلهم إلى ما لم يثبت لوجوده درجة عالية جدا من درجات اليقين المعتبر، سواء أكان قانونا أم عرفا، كما أن النص التشريعي بخلاف النص الإخباري له حجية مطلقة على ما ينتفع به أو يضار به، أما النص الإخباري فحجيته نسبية لأنه ابن واقع محدد ولد في سياقه واكتسب مضامينه من هذا السياق المحيط به، وتحدث دلالته العينية في إطاره دلالة غير قابلة للتكرار، فهو ليس نموذجا يتوالد مع الزمن.

وكذلك فإن النص التشريعي يمكن أن ينسخ إذا ثبت صدور تشريع تال له ألغاه صراحة أو تضمن أحكاما مخالفة له، ويكون نسخه أو إلغاؤه من تاريخ صدور التشريع التالي المخالف حسبما هو معروف، وبسبب قيام هذا التصور فإن النص التشريعي كان إبان سريانه ممتد الأثر على ما يليه من أحداث وهو يحكم ما تلا صدوره من وقائع، أما النص الإخباري أو التاريخي فهو حدث مضى وانتهى وليس له حاكمية وليس له أثر مباشر يمتد في المستقبل، بما يجعله نموذجا قابلا للتكرار، يمكن أن تكون له آثار واقعية ترتبت عليه، ولكن هذه الآثار تلحق به التحاق نتيجة بسبب أو نتيجة عينية ملموسة مفردة بسبب هو عيني وملموس ومفرد كذلك، دون أن يكون النص في ذاته متجدد التطبيق على حالات لم تنجم عنه وإنما لاحقها بحسبانه تشريعيا متجدد الحضور معها ومع كل حالة ممتدة تولد.

سبل تفهم النص الإخباري

وقد سبقت الإشارة إلى أن النص الإخباري هو بوصفه صيغة ذكر لحدث ماض، إنما يحمل غالبا وصفا لهذا الحدث، وفقا للدلالة أو الفحوى التي وقرت لدى من صاغ الحدث في خبر مكتوب أو مروي، وأن الوصف أو التعبير الذي صيغ به الخبر، الغالب أن تختلف أو تتنوع عليه وجوه النظر من كتاب أو رواة أو باحثين، ناهيك عن أن يكونوا أطرافا في خصومة أو أن يكونوا من ذوي المصالح المتعارضة، وهنا يتفاوت ما تفضي إليه الدلالات التي يمكن استفادتها أو استخلاصها من الحدث؛ لأن النص هنا إنما يكون صنعه من أعد الحدث أو شارك في صنعه أو عاصره، أو يكون هو من أثبته من بعد أو علق عليه، فهو من ثم يحمل أثرا لوجهة النظر الحكمية لمن قام بصياغته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير