تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على ما هو المقصود الأتمّ من الكتاب والإيمان والكفر والنّفاق، أعنى كتاب الولاية والايمان والكفر والنّفاق به، فإنه أقبح أقسام الكفر فى نفسه وأضرّها على المؤمنين وأشدّها منعا للطّالبين. ولذا بسط فى ذمّهم وبالغ فى ذكر قبائحهم وذكر مثل حالهم فى آخر ذمّهم قرينةً دالّةً على أنّ المراد المنافقون بالولاية لأنّ المنافقين بالرّسالة ليست حالهم شبيهة بحال المستوقد المضيء، فإنّ المنافق بالرّسالة لا يستضيء بشيء من الأعمال لعدم اعتقاده بالرّسالة وعدم القبول من الرّسول بخلاف المنافق بالولاية فإنه بقبوله للرسالة يستضيء بنور الرّسالة والاعمال المأخوذة من الرّسول (ص). لكن لمّا لم تكن أعماله المأخوذة وقبوله الرّسالة متّصلة بنور الولاية كان نوره منقطعا. وما يستفاد من تفسير الامام أنّ الآية كانت إشارة إلى ما سيقع من النّفاق بعلىّ (ع) يوم الغدير ومبايعة الأمّة والمنافقين معه. وتواطؤهم على خلافه بعد البيعة وبعد التّأكيد بالعهود والمواثيق عليهم يدلّ على أنّ المراد النّفاق بالولاية". ولعل القارئ لم يفته، فى هذا النص، الربط الخطير بين على وبين الألوهية، ولا اتهام كبار الصحابة ومن لم يشترك فى ذمهم وتنقيصهم وكراهيتهم بالنفاق والكفر، أعوذ بالله.

ومن البين الجلىّ أن الذين يتهمون الخلفاء الثلاثة الأوائل ويتهمون كذلك من لم ينكر عليهم ورضى بخلافتهم، بالنفاق والكفر إنما يلقون الكلام على عواهنه دون عقل أو منطق أو استلهام لمنطق التاريخ وروح الإسلام وسياق الآيات وتصرفات النبى ومواقفه وأحاديثه، وقبل ذلك مواقف على وأحاديثه فى حق أولئك الصحابة الكرام. ذلك أنه ليس من المعقول أن يعرف النبى نفاق أولئك الصحابة وكفرهم ويظل على علاقته الطيبة معهم طوال الوقت لا يصدر منه ما يوحى على الأقل بتوجسه منهم وانقباضه عنهم. لقد كان عليه السلام، على العكس من ذلك، يكرمهم ويقربهم دائما منه ويثنى عليهم ويشاورهم ويطمئن إليهم ويستعين بأموالهم وجهودهم فى تدعيم الدين الجديد. وهم من جهتهم لم يصدر عنهم فى حياته ولا بعد مماته ما يمكن أن يغمص فى دينهم ولا أخلاقهم، بل كانوا طول الوقت مخلصين له ولدينه وضَحَّوْا فى سبيله بكل نفيس وغال لم يتقهقروا يوما. وعند توليهم الخلافة لم يقصّروا فى ذات الله ولا فى ذات الدين، بل صنعوا كل ما بوسعهم لنصره ونشره وتأييده. لقد كانوا أمثلة عليا قلما يجود الزمان بنظيرها. ولا ننس أنه صلى الله عليه وسلم قد تزوج عائشة بنت أبى بكر، وحفصة بنت عمر، وزوّج اثنتين من بناته لعثمان، وقال له حين ماتت الأخيرة منهما: لو كانت عندنا ثالثة لزوّجناك! فهل يمكن أن يكون هؤلاء منافقين؟ أعوذ بالله! بل هل يمكن أن يجىء الإسلام أصلا بوراثة الحكم؟ فما الجديد الذى أتى به إذن إذا كان قُصَارَى ما لديه فى ذلك هو التوريث دون الكفاءة واختيار الناس لمن يحكمهم؟ ولا يحتجَّنّ أحد بأن معاوية قد فعلها وورّث الحكم من بعده لابنه وأسرته، فليس صنيع معاوية هنا بالذى نرضاه، بل نرفضه وندينه ونرى أنه غير ما يريده الإسلام. ثم لماذا لم نسمع عليا يذم أبا بكر وعمر وعثمان ويرميهم بالنفاق؟ لقد زوج ابنته مثلا لعمر، فكيف يزوجها لرجل من المنافقين؟ إن هذه لوصمة فى خلق علىّ قبل أن تكون سبة فى جبين عمر إن كان عمر فعلا هو كما يقول المرجفون! ثم لقد انتهت الخلافة إلى علىّ كرم الله وجهه بعد موت الخلفاء الثلاثة الأوائل ولم تستقم له الأمور رغم ذلك، فهل كانوا هم أيضا الذين أفسدوها عليه، وهم فى قبورهم؟

وأما من ناحية السياق الذى وردت فيه الآية فإنه لا يمكن أبدا أن يؤدى إلى هذا المعنى الذى يفتريه المفترون. ذلك أن الكلام فى أول السورة يدور على "الكتاب"، أى القرآن. بيد أن المفترين يتصورون أنهم يستطيعون أن يلووا ذراع النص لينطق بما يشتهون، وهيهات. إنهم يزعمون أن "الكتاب" المقصود إنما هو الكتاب الذى يدّعون أن النبى عليه السلام قد كتبه بوراثة على وذريته لحكم المسلمين بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى، مع أنه لم يسبق أى ذكر لهذه المسألة بتاتا فى الآيات الماضية، ومن ثم لا يصلح أن يكون الحديث فيها عن "الكتاب" المزعوم، بل عن "الكتاب" بمعنى القرآن، كما فى كل السور التى تبتدئ بذكر الكتاب أو آياته مثل سورة "آل عمران" و"الأعراف" و"يونس" و"هود"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير