تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووجه الدلالة فيها أنه قد ثبت أن "الوليَّ" في الآية بمعنى الأولى والأحقّ. وثبت أيضا أن المعنيّ بقوله: {والذين آمنوا} أمير المؤمنين (ع). فإذا ثبت هذان الأصلان دل على إمامته، لأن كل من قال إن معنى "الوليّ" في الآية ما ذكرناه قال إنها خاصة فيه، ومن قال باختصاصها به (ع) قال: المراد بها الإمامة ... فالذي يدل على أن أمير المؤمنين (ع) هو المخصوص بها أشياء: منها أن كل من قال إن معنى الولي في الآية معنى الأحقّ قال إِنه هو المخصوص به. ومن خالف في اختصاص الآية يجعل الآية عامة في المؤمنين، وذلك قد أبطلناه. ومنها أن الطائفتين المختلفتين: الشيعة وأصحاب الحديث رووا أن الآية نزلت فيه عليه السلام خاصة. ومنها أن الله تعالى وصف الذين آمنوا بصفات ليست حاصلة إِلا فيه، لأنه قال: {والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، فبين أن المعنيّ بالآية هو الذي آتى الزكاة في حال الركوع. وأجمعت الأمة على أنه لم يُؤْتِ الزكاة في حال الركوع غير أمير المؤمنين (ع)، وليس لأحد أن يقول: إِن قوله: {وهم راكعون} ليس هو حالاً لـ {يؤتون الزكاة}، بل المراد به من صفتهم إِيتاء الزكاة، لأن ذلك خلاف لأهل العربية، لأن القائل إِذا قال لغيره: "لقيت فلانا وهو راكب" لم يُفْهَم منه الا لقاؤه له في حال الركوب، ولم يفهم منه أن من شأنه الركوب. وإذا قال: "رأيته وهو جالس أو جاءني وهو ماش" لم يفهم من ذلك كله إِلا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا. واذا ثبت ذلك وجب أن يكون حكم الآية مثل ذلك.

فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الركوع المذكور في الآية المراد به الخضوع؟ كأنه قال: يؤتون الزكاة خاضعين متواضعين كما قال الشاعر:

ولا تهين الفقير عَلَّكَ أن* تركع يومًا، والدهر قد رَفَعَهْ

والمراد "عَلَّك أن تخضع"، قلنا الركوع هو التطأطؤ المخصوص. وإِنما يقال للخضوع ركوعا تشبيها ومجازا لأن فيه ضربا من الانخفاض. يدل على ما قلناه نص أهل اللغة عليه. قال صاحب العين: كل شئ ينكبّ لوجهه فتمس ركبتيه الأرض أو لا تمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع. قال لبيد:

أخبّر أخبار القرون التي مضت* أدبّ كأني، كلما قمت، راكعُ

وقال ابن دريد: الراكع الذي يكبو على وجهه، ومنه الركوع في الصلاة ... فإن قيل: قوله: {الذين آمنوا} لفظ جمع كيف تحملون ذلك على الواحد؟ قيل: قد يعبر عن الواحد لفظ الجمع إِذا كان معظما عالي الذكر. قال تعالى: {إِنا نحن نزلنا الذكر وإِنا له لحافظون}، {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها}، ونظائر ذلك كثيرة. وقال: {الذين قال لهم الناس إِن الناس قد جمعوا لكم}، ولا خلاف في أن المراد به واحد، وهو نُعَيْم بن مسعود الأشجعي ... فإذا ثبت استعمال ذلك كان قوله: {الذين يقيمون الصلاة} محمولا على الواحد الذي قدمناه. فإن قيل: لو كانت الآية تفيد الإمامة لوجب أن يكون ذلك إماما فى الحال ولجاز له أن يأمر وينهى ويقوم بما يقوم به الأئمة، قلنا: من أصحابنا من قال: إِنه كان إِمامًا في الحال، ولكن لم يأمر لوجود النبي صلى الله عليه وسلم، وكان وجوده مانعًا من تصرفه. فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم قام بما كان له. ومنهم من قال، وهو الذي نعتمده، إن الآية دلت على فرض طاعته واستحقاقه للامامة. وهذا كان حاصلا له ...

فإن قيل: أليس قد رُوِيَ أنها نزلت في عبادة بن الصامت أو عبد الله بن سلام وأصحابه؟ فما أنكرتم أن يكون المراد بالذين آمنوا هم دون من ذهبتم اليه؟ قلنا: أول ما نقوله إِنا دلّلنا على أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (ع) بنقل الطائفتين، ولما اعتبرناه من اعتبار الصفة المذكورة في الآية وأنها ليست حاصلة في غيره بطل ما يُرْوَى في خلاف ذلك. على أن الذي رُوِيَ في الخبر من نزولها في عبادة بن الصامت لا ينافي ما قلناه، لأن عبادة لما تبرأ من حلف اليهود أُعْطِيَ ولاية من تضمنته الآية ... والذي يكشف عما قلناه أنه قد رُوِيَ أنها لما نزلت خرج النبي صلى الله عليه وسلم من البيت، فقال لبعض أصحابه: "هل أعطى أحد سائلاً شيئا؟ ". فقالوا: نعم يا رسول الله. قدأعطى علي بن أبي طالب السائل خاتمه، وهو راكع. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر! قد أنزل الله فيه قرآنًا"، ثم تلا الآية الى آخرها. وفي ذلك بطلان ما قالوه ... فأما "الولي" بمعنى الناصر فلسنا ندفعه في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير