تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اللغة، لكن لا يجوز أن يكون مرادا في الآية لما بيناه من نفي الاختصاص. وإِقامة الصلاة ِإتمامها بجميع فروضها، من قولهم: فلان قائم بعمله الذي وَلِيَه، أي يوفي العمل جميع حقوقه، ومنه قوام الآمر. وفي الآية دلالة على أن العمل القليل لا يفسد الصلاة".

والذى قاله الطوسى هنا فى دلالة الآية على حق علىّ فى خلافة النبى فى حكم المسلمين يقوله علماء الشيعة كلهم، سواء منهم من أورد التفاسير والروايات الأخرى أو لا. ورغم محبتى الشديدة لعلى بن أبى طالب، وإن كنت لا أفضله على الشيوخ الثلاثة ولا أفضلهم عليه، بل أَكِلُ ذلك إلى الله وأكتفى بالقول بأن كلا منهم قد خدم الإسلام بعبقريته ومواهبه الخاصة التى أفاضها الله عليه، أقول: إننى، رغم محبتى له كرم الله وجهه، لا أستطيع الاقتناع بما قاله الطوسى للأسباب التالية التى لا أعدّها مع ذلك ملزمة له ولا لغيره، بل هى مجرد رأى اجتهدت فيه ولم آلُ. فالشيعة، كما هو واضح، يفهمون الولاية فى النص الذى بين أيدينا على أنها ولاية الحكم، بمعنى أن خلافة النبى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى هى من حق علىّ وذريته دون المسلمين جميعا رغم أن السياق لا يقبل هذا الفهم أبدا. فالآية تحدد الذين يجب على المسلم موالاتهم بعد أن حذرته الآيات السابقة عليها من موالاة اليهود والنصارى الذين يتآمرون على الإسلام والمسلمين. فليس الكلام إذن عن الولاية السياسية، بل عن موالاة المودة والتعضيد والمعاونة، ولا يُعْقَل أن يحصر الله سبحانه موضوع هذه الولاية فى علىّ رضى الله عنه لا غير، فعلىّ رغم صفاته النبيلة الكثيرة ليس هو المؤمنين جميعا، بل مجرد فرد واحد منهم فحسب. فرد كريم وعظيم ومن أفذاذ الرجال نعم، لكنه رغم هذا ليس إلا فردا واحدا. وإلا فماذا نسمى سائر الصحابة إن كان علىّ هو المؤمنين جميعا؟ إن هناك رواية تقول إنه كان يصلى يوما حين دخل المسجد سائل، فما كان منه كرم الله وجهه إلا أن خلع خاتمه وهو راكع وأعطاه إياه. لكن هل يعد هذا الفعل إيتاء للزكاة أو لا يعدو أن يكون صدقة نافلة؟

ثم إن الآية قد عبرت عن إيتاء الزكاة بصيغة المضارع (هكذا: "ويؤتون الزكاة وهم راكعون") بما يدل على أن هذا العمل كان يتم بهذه الصورة دائما. فهل كان علىّ يؤتى زكاته باستمرار وهو راكع؟ وهل كان علىّ هو وحده هو الذى يقيم الصلاة دون سائر المسلمين ما دامت الآية قد وصفت الذين آمنوا بأنهم "يقيمون الصلاة"؟ ثم ألا تصح الزكاة إلا إذا أعطاها الإنسان وهو راكع ما دامت الآية قد حددتها بذلك؟ لقد كانت الزكاة تؤدَّى لموظفين مختصين بجمعها فى أوقات معلومة ممن تجب عليهم وإيصالها لمن يستحقونها، وليس للمحتاجين مباشرة أو فى أى وقت كما يزعم أصحاب هذا التفسير الغريب. وفضلا عن ذلك فقد نهى الرسول عن السؤال فى المساجد، فكيف يصح تفسير الآية بما يفيد أنها تُثْنِى على من يخالفون وصية النبى عليه السلام فى هذا الشأن فيعطون الصدقات للذين يسألون داخل المسجد واصفة إياهم بكمال الإيمان؟ ولو غضضنا الطرْف عن هذه، أفلم يكن ممكنا أن ينتظر علىّ، كرم الله وجهه، إلى أن يفرغ من صلاته ويتثبت من حاجة السائل الفعلية ومقدار ما يحتاجه من مال؟

وذلك كله علاوة على صرف "الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة" من الدلالة على الجمع إلى الدلالة على الواحد دون أدنى مسوغ. وفوق هذا فقد ورد فى صفة المؤمنين فى مواضع كثيرة من القرآن الكريم أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ولا يقول عاقل إن المقصود بهذا كله هو على وحده. وقد أوردت الترجمة الإنجليزية لتفسير العالم الباكستانى أبى الأعلى المودودى هذه الآية على النحو التالى: " Only Allah, His Messenger, and those who establish Prayer, pay Zakah, and bow (before Allah) are your allies". وبهذه الطريقة أبعدتها عن أن تكونموضعا للأخذ والرد بين طوائف المسلمين، إذ اصبح معناها هو: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون اصلاة ويؤتون الزكاة ويركعون"، فـ"الواو" فى "وهم راكعون" ليست "واو حال"، بل "واو عطف أو استئناف". أى أن المؤمنين من صفاتهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والركوع. و"الركوع" هنا بمعناه المجازى، وهو الخضوع والإخبات. أى أن هؤلاء المؤمنين حين يخرجون زكاتهم إنما يفعلون ذلك تواضعًا وبِرًّا بالمحتاجين،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير