تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المنسوب إلى زيد بن على رضوان الله عليه بأنه لو كان المقصود زوجات النبى لقالت الآية: إنما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ... " فليس بشىء، ولا أظنه قاله، فقد أوضحنا أن "الأهل" ليسوا زوجات الرجل فقط، بل لهن فقط المقام الأول. أما إن قيل إن المقصود هم الأفراد المسلمون الذين ينتمون إلى أسرة الرسول، فينبغى إذن أن يَدْخُل فيهم أيضا عمته صفية وجعفر أخو على وحمزة وبنت حمزة. وإذا كان على ذاته حين سئل عن سلمان، حسبما يُرْوَى عنه، قد قال إنه "هو منا أهل البيت وفى رواية أخرى: "إنه رجل منا أهل البيت وفى رواية ثالثة: "ذاك أميرٌ منا أهل البيت"، مدخلا بذلك هذا الفارسى الذى لم يكن بينه وبين الرسول أو أى أحد من أسرة الرسول ضمن أفراد "أهل البيت"، أيضيق نطاق "أهل البيت" عن أن يستوعب عائشة وحفصة وسائر زوجات النبى، وأغلبتيهن الساحقة من العرب؟ وأخيرا إلى القارئ هذا الدليل الحاسم الذى لا يمكن أى متنطع المماراة فيه، ألا وهو قوله تعالى على لسان الملائكة خِطَابًا لسارة زوجة الخليل إبراهيم عليه السلام حين تعجبت من بشارتهم لها بأنها ستحمل وتلد رغم كبر سنها: "قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" (هود/ 73). فها هم أولاء الملائكة يتحدثون إلى سارة زوجة إبراهيم على أنها "أهل البيت" الإبراهيمى، أو على الأقل: فرد من أفراده. فما القول فى هذا؟ لا أظن أن هناك عاقلا ولا حتى مجنونا يمكن أن يجادل فى أن معنى الآية الكريمة هو ما قلناه!

ولقد سبق أن حذّر القرآن نساء النبى فى الآيتين السابقتين ألا يخضعن بالقول حتى لا يطمع الذين فى قلوبهم مرض وأن يلزمن بيوتهن ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأن يُقِمْن الصلاة ويُؤْتِين الزكاة ويُطِعْن الله ورسوله تمام الطاعة. ومن قبل قال لهن سبحانه وتعالى إنه من يأت منهن بفاحشة مبينة يضاعَفْ لها العذاب ضعفين، ومن يقنت منهن لله ورسوله يؤتها الله أجرها مرتين. وعلى هذا لا يمكن أن يُفْهَم قوله سبحانه عقب ذلك: "إنما يريد الله ليُذْهِب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" إلا بمعنى أن هذا الحساب المخصوص لَكُنّ عنده سبحانه وتلك الأوامر والنواهى منه إليكن إنما يراد بها إذهاب الرجس عنكن وتطهيركن تطهيرا مع سائر بيت الرسول. هذا هو وجه الكلام لغةً وعقلاً وذوقًا، أما سوى ذلك فلا.

ولو كان القرآن قد استعمل فى هذه الآية عبارة "يا نساء النبى" بدلا من "أَهْلَ البيت" لكان قد أنّثَ الكلام فقال: "إنما يريد الله ليُذْهِب عنكن الرِّجْس يا نساء النبى ويطهّركن تطهيرا"، لكنه إنما عنى "أهل البيت" كلهم لا "نساءه" عليه السلام فقط، وهو ما لم يفطن له من اعترض بهذا الاعتراض. أما تعقيب الطوسى على قول عكرمة إنها "في أزواج النبي خاصة" بأن "هذا غلط، لأنه لو كانت الآية فيهن خاصة لكنَّى عنهن بكناية المؤنث كما فعل في جميع ما تقدم من الآيات نحو قوله: {وقَرْنَ في بيوتكن ولا تبرجن، وأطعن الله، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة}، فذكر جميع ذلك بكناية المؤنث، فكان يجب أن يقول: "إنما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن"، فلما كنَّى بكناية المذكر دل على أن النساء لا مدخل لهن فيها أقول: أما تعقيب الطوسى هذا فهو حجة عليه لا له، لأن استعمال ضمير جماعة المذكرين فى الآية القرآنية كان ينبغى أن يُخْرِج فاطمة هى أيضا من "أهل البيت" طبقا لكلامه، مع أن السيدة الزهراء عند الشيعة هى المحور فى كل هذا. وبالمناسبة فإخراج زوجاته صلى الله عليه وسلم من "أهل البيت" هو موقف عام عند جميع المفسرين الشيعة الذين رجعت إليهم فى هذه الدراسة، ولست أظن إلا أنه هو موقف المفسرين الشيعة كلهم بلا استثناء.

ولأن التقية من مبادئ التشيع نرى علماءهم يحرصون على إبرازها فى تفاسيرهم كما هو الحال عند تناولهم لقوله جل شأنه فى الآية 28 من سورة آل عمران: "لا يَتَّخِذِ ?لْمُؤْمِنُونَ ?لْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ?لْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذ?لِكَ فَلَيْسَ مِنَ ?للَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... إذ يقول الكاشانى مثلا: " {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}: إلا أن تخافوا من جهتهم خوفًا وأمرًا يجب أن يُخَاف منه. وقُرِئ: "تقيّة". منع عن موالاتهم ظاهرًا وباطنًا فى الأوقات كلها إلا وقت المخافة، فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز بالمخالفة كما قيل: كن وسطًا، وامش جانبًا. ثم قال: وفى العياشى عن الصادق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا إيمان لمن لا تقية له". ويقول: قال الله: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}. وفى "الكافى" عنه قال: التقية تُرْس الله بينه وبين خلقه. وعن الباقر قال: التقية فى كل شئ يُضْطَر إليه ابن آدم، وقد أحلَّ الله له. والأخبار فى ذلك مما لا يحصى". وفى تفسير القمى أن "الآية رخصةٌ ظاهرُها خلافُ باطنها. يُدَان بظاهرها ولا يُدَان بباطنها إلا عند التقية"، وأن "التقية رخصة للمؤمن أن يراه الكافر فيصلي بصلاته ويصوم بصيامه إذا اتقاه في الظاهر. وفي الباطن يدين الله بخلاف ذلك". ولسنا بحاجة إلى كبير ذكاء كى نفهم مَنِ المقصود بالكافر هنا الذى ينبغى أن يداجيه الشيعى فيصلى ويصوم معه عند الاضطرار، لكنه فى باطنه لا ينوى مشاركته صلاته ولا صيامه لأنه لا يدين بدينه. وهل هناك "كافر" يشترك معه الشيعى فى الصلاة والصيام سوى أهل السنة؟ أما الطوسى فرأيه أنها رخصة عند خوف الضرر، وإن كان الفضل هو الإفصاح. وأما الطبرسى فيقسمها حسب درجة الضرورة: فيجعلها مرة واجبة، وأخرى جائزة، وثالثة يتساوى فيها فعلها وتركها، ورابعة يكون فعلها أفضل من تركها، وخامسة يكون العكس هو الصحيح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير