تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) ". ومعنى الكلام، كما هو واضح، أن مَنْ سوى أولئك النسوة يجوز لكم الزواج بهن بمهر، وهذا هو الأجر الذى ذكرت الآية أن الرجل يدفعه للمرأة مقابل الاستمتاع بها: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً". ولو كان المقصود هو زواج المتعة لكان معنى الكلام أن هناك وضعين هما: حُرْمَة النكاح من الفئات المذكورة من النساء، وحِلِّيّة المتعة مع سواهن. ولا يقول بهذا أحد، لأن المتعة لدى من يقولون بها ليست هى النكاح بإطلاق، ولا حتى أصل النكاح كى توضع مقابل حرمة النكاح، بل هى لدى من يجوّزونها شىء يباح للضرورة، وعلى مضض كما يتضح من رد أبى جعفر على عبد الله بن عمر الليثى وأبى حنيفة فى النص الذى أورده الطباطبائى. أما كلمة "استمتعتم" فلا تدل بالضرورة على نكاح المتعة لمجرد أنها مشتقة من تلك الكلمة، وإلا فالقرآن يقول: "ومَتِّعوهنّ على المُوسِع قَدَرُه، وعلى المُقْتِر قَدَرُه متاعا بالمعروف" (البقرة/ 236)، "وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" (البقرة/ 241)، "فتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكنّ وأُسَرِّحْكنّ سَرَاحًا جميلا" (الأحزاب/ 28)، وليس للكلام هنا أية صلة بالمتعة البتة، بل الكلام عن المطلقات اللاتى ينبغى أن يُعْطَيْن مقدارا من المال لتطييب خواطرهن، وهذا المال يسمَّى: "متعة". كذلك فالكلام فى الشاهد الأخير من سورة "الأحزاب" هو عن الرسول ونسائه، ويستحيل أن يقول أحد من الشيعة إنه عليه السلام كان متزوجا بهن زواج متعة. والواقع أن استشهاد الشيعة بكلمة "استمتعتم" على أن المقصود هو زواج المتعة يذكّرنى بما قاله المستشرق هفننج من أن الرسول قد مارس هذا الزواج، إذ فهم من قول المؤرخين وكتاب السيرة إنه رد زوجته أسماء الجونية إلى أهلها قبل أن يدخل بها و"متّعها" بكذا وكذا أنه عليه السلام كان قد تزوج بها زواج "متعة". ولله فى خلقه شؤون (انظر مادة "متعة" فى " Shorter Encyclopaedia of Islam وانظر كذلك الصفحتين اللتين كتبتهما فى هذه النقطة فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية- أضاليل واباطيل"/ مكتبة البلد الأمين/ القاهرة/ 1419هـ- 1998م/ 133 - 134). لكن ذلك مستشرق، أما مفسرونا هؤلاء فَلَيْسُوا.

ثم لو كان أبو حنيفة قد اقتنع بما قاله الصادق فى الحوار الذى قيل إنه جرى بينهما وأبدى دهشته من أنه لم يتنبه لهذا المعنى من قبل رغم صحته أو وجاهته، فلم يا ترى استمر ذلك الفقيه على موقفه من المتعة ولم يحللها فى مذهبه؟ بل ما الذى منع عليا كرم الله وجهه من إعادة الأمر فى المتعة إلى نصابه لو كان يرى، كما رووا عنه، أن عمر أخطأ بتحريمها؟ وعلام يدل هذا فى شخصية علىّ لو صحت الرواية، وما هى بالصحيحة؟ ألا يدل على أنه كان يعرف الحق لكنه لم بحاول العمل على إعادة الناس إليه؟ فلم يا ترى؟ أكان عمر فى قبره يمثل تهديدا له؟ فكيف؟ أم إنه كان لا يهتم بالدين ولا بإقرار الحق والمكافحة دونه؟ إن الذين يروون هذا عنه إنما يسيئون إليه فى شخصيته وإيمانه رضى الله عنه لا إلى عمر، لكنهم لا يبصرون مواقع الكلام للأسف! وإذا كان علىّ قد ترك الأمر على ما أرساه عمر، فلماذا يا ترى لم تسر الشيعة على منهاجه؟ أليس هو إمامهم الأكبر والخليفة الشرعى الوحيد لنبيهم فى نظرهم؟ فكيف يخالفون عن أمره إذن؟ ثم ألم يلاحظ هؤلاء كيف يتحدث علىٌّ كرم الله وجهه عن الفاروق رضى الله عنه بكل احترام فلم ينسبه إلى كفر أو نفاق أو يومئ إلى عمله هذا مجرد إيماء بما يغمز فى دينه؟ وأخيرا حتى لو قلنامع القائلين إن المتعة جائزة، أيسوّغ هذا قول الصادق: "ليس منا من لم يستحلّ متعتنا"، وبخاصة أننا قد رأيناه يتحدث عنها على أنها أمر يُشْمَأَزّ منه رغم حِلّه؟ إنها فى أحسن الأحوال لا تتعدى حدود الجواز، فكيف تتحول على هذا النحو إلى ركن من أركان الدين لدى الشيعة بحيث إن من لا يستحلها لا يكون مؤمنا عندهم؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير