تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو ما نلاحظه أيضا فى حديث القرآن فى موضع آخر من ذات السورة عن القواعد من النساء، إذ ذكر كلمة "الجُنَاح" و"الاستعفاف": "وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (النور/ 60). وهل يتصور متصوِّرٌ أن عقاب المرأة التى لا تحمى نفسها من الغبار والشمس هو النار كما ورد فى الحديث الآخر؟ وهل كان فى بيت رسول الله حين دخلت عليه أسماء وحدد لها ضوابط ملبس المرأة المسلمة أتربة وشمس؟ أم هل كان معمولا حساب الغبار والشمس حين نهى الرسول المرأة عن أن تصف صديقتها لزوجها كأنه يراها خوفا من أن تتغبّر وتَسْمَرّ أوصافها؟

وأدهى من هذا قول الكاتب: "لا أجد داعيا لإثارة موضوع الحجاب مع الغرب بين الحين والآخر. إنها منتهى الحماقة، فضلا عن أن ذلك يتنافى مع أهمية أن يتعايش المسلمون مع المجتمعات التي يقيمون فيها، وإلا فما الداعي لمعيشتهم فيها؟ عليهم أن يعودوا لبلادهم الأصلية. وشرح ذلك مستطردا: إن أول أبجديات هذا التعايش ألا يوجدوا فروقا بينهم وبين باقي المجتمع". إذن فعلى المسلم أن يغير لون شخصيته وأخلاقه وقيمه وعقيدته وعباداته ومعاملاته حسب أوضاع المجتمع الذى يعيش فيه، وعلى أوامر الدين ونواهيه العفاء. ذلك أن المجتمعات الغربية بوجه عام تنظر إلى الإسلام كله، وليس الزى النسائى منه فحسب، نظرة الكراهية والعداء، وتعمل بكل سبيل إلى تذويب المسلمين فى عاداتها وتقاليدها وذوقها وطعامها وملابسها وعقائدها وثقافتها عموما، وتريد منهم أن يشربوا مثلها الخمر ويأكلوا الخنزير ويمارسوا الربا والزنا واللواط والسحاق ويَدَعُوا الصلاة والصيام والحج والختان ويشتموا محمدا ورب محمد والكتاب الذى نزل على محمد. ولو أصاخ المسلمون السمع إلى نصيحة جمال البنا لكان فيها حتفهم المعنوى ولما بَقُوا بعدها مسلمين. أم إن الإسلام معناه لدى كاتبنا أن يتضاءل المسلم كلما واجهته عقبة من العقبات، ثم يظل يتضاءل دائما أبدا حتى يتلاشى ولا يعود فى نهاية المطاف مسلما؟ فلماذا لم يعتمد الرسول هذه السياسة فى مكة والمدينة ويبتعد عن إثارة المشركين والمنافقين وأهل الكتاب باختطاط ذلك الطريق الجديد الذى لم يكونوا يعرفونه، طريق الإسلام، ويريح نفسه ويريح أتباعه ويريح تلك الفئات بالإبقاء على كل شىء كانت هذه الفئات تسير عليه حتى لا يستفزهم، واضعا نفسه وأتباعه فى موقف حرج دون أدنى داع؟

ثم إن البنا يزجر المسلمات اللاتى يعشن فى الغرب ويغطين صدورهن وأذرعتهن وشعورهن، داعيا إياهن أن يعدن إلى البلاد التى أتين منها. لكنه نسى أن تلك الحشمة ليست بذات أهمية عنده فى أى مكان، وليس فى الغرب وحده. كما نسى أيضا أن فلسفة الديمقراطية الغربية هى حرية كل فرد فى أن يلبس ما يشاء، بل فى أن يصنع بجسمه كله ما يشاء بما فى ذلك اللواط والزنا والسحاق، فكيف يضيق صدر تلك الديمقراطية ويضيق صدره هو أيضا تبعا لها بتلك المساحة الصغيرة التى تريد المرأة المسلمة أن تمارس فيها حريتها؟ ثم أين حكاية الوقاية من الأتربة وأشعة الشمس؟ ترى هل يتعين على الغربيين أن يتجاهلوا الاعتبارات الصحية ما دام للمسلمين صلة بالأمر؟ لو أنه نصح المسلمين الذين يعيشون فى الغرب بعدم الاصطدام دون داع مع المحيط السياسى والاجتماعى الذى يعيشون فيه وأن يأخذوا من أحكام العلماء بما لا يوقع عليهم العنت فى مجتمعهم الجديد، متخذين من قول الرسول الكريم: "يسِّروا ولا تعسِّروا" ومِنْ ذَمّه صلى الله عليه وسلم للتنطع شعارا ودثارا لهم، واضعين فى اعتبارهم أنهم لا يعيشون فى مجتمع مسلم وأن عليهم احترام أوضاع هذا المجتمع فيما لا يجور عليهم فى دينهم، ومجاملة الناس من حولهم والبشاشة فى وجوههم ما داموا لا يتعرضون لهم بأذى، ومبادلة المودة والهدية بمثلها لمن يودّونهم ويُهْدُون إليهم، لكان لكلامه وقع آخر ولقلنا معه ما يقول. وقد نقل د. القرضاوى عن سفيان الثورى كلمة عبقرية هى: "إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد" (د. يوسف القرضاوى/ فقه الأقليات المسلمة/ دار الشروق/ القاهرة/ 2001م/ 50). أما أن يمحو جمال البنا المسلمين الذين يعيشون فى الغرب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير