تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلنفترض أننا قبلنا هذه التشريعات العجيبة، فكيف نعرف منذ البداية أنهما سينجبان أو لا ينجبان؟ أليس ذلك شرطا من شروط الزواج عند الكاتب؟ فكيف يتم الزواج، وأحد شروطه لم يتحقق ولن يتحقق إلا بعد الزواج، وربما لن يتحقق إلى الأبد؟ مشكلةٌ ولا الشياطين الزُّرْق تستطيع حلها! لكن هل قال المشرع ذلك؟ هل نجده فى القرآن أو فى الحديث؟ أم ترى الكاتب قد قرر أن يجعل من نفسه مشرعا؟ فهل يصح هذا فى الإسلام؟

إن جمال البنا ينظر إلى الزواج على أنه مسألة شخصية لا دخل للمجتمع فيها، مع أنه عقد اجتماعى، وليس تصرفا فرديا مثل تناول الطعام والشراب مثلا. فلماذا إذن يشترط فيه أن يقبل الزوجان بالإنجاب؟ أليس ذلك افتياتا منه على حريتهما الشخصية؟ لكنه من منطلق الحرية الشخصية أيضا يعود فيزعم أن الإشهاد فى الزواج لا قيمة له ولا لزوم، وأنه لمجرد التوثيق فقط. فهل التوثيق شىء بسيط كما يحاول أن يزرع البنا فى نفس القارئ؟ إنه مدار كل شىء فى الواقع. وبدون هذا الإشهاد والتوثيق كيف يعرف الناس أن فلانا زَوْج فلانة، وأنها زوجة فلان؟ وكيف يستطيع كل من الطرفين أن يثبت حقوقه وواجبات الطرف الآخر تجاهه أمام مؤسسات الدولة؟ ألم يحرّم الكاتب بنفسه زواج طلاب الجامعة بحجة السرية؟ فلماذا يقبل السرية هنا، ويرى الزواج صحيحا دون إعلان وشهود؟ ألم يقل إن ضمان الاستمرار فى ظل السرية غير موجود، وإن القلوب قد تتغير فتخطف قلب الرجل امرأة أخرى؟ لكن هل ثمة ضمان فى تحول قلب الرجل عن الزوجة إلى امرأة أخرى فى ظل التوثيق والإعلان والعيش فى بيت واحد حتى لو أنجبت له قبيلة من الأطفال؟

وهو يدّعى كذلك أن الزواج على عهد رسول الله كان يقع دون شهود، ضاربا مثلا لا أدرى من أين أتى به على هذا الذى يدعيه. هل يظن أننا نصدق ما يقول من أن الصحابى والصحابية اللذين طلبا من الرسول أن يعقد زواجهما ما إن انتهيا من هذه الخطوة حتى أخذ الزوج زوجته إلى فندق لا يعرفهما فيه أحد وعاشرها فيه معاشرة الأزواج للزوجات دون أن تعلم قبيلتاهما ويدعوا الناس إلى طعام العرس وتُضْرَب الدفوف؟ ولقد كان التوثيق مرعيًّا فى كل عقود الزواج آنذاك، وإن لم يسجَّل فى أوراق رسمية، إذ كان يكفى شهادة الناس الشفوية، وهى مثل شهادتهم الكتابية سواء بسواء، لأن الحياة لم تكن قد تعقدت بعد، وكان كل فرد فى محيط الزوجين يعرف كل فرد آخر عِزَّ المعرفة، ومن ثم لم يكن ممكنا التدليس فى أى أمر من أمور الزواج. وهذا هو التوثيق، إلا أن الكاتب ينظر إلى عملية التوثيق من ثَقْب إبرة فلا يتخيلها إلا على صورة واحدة هى صورة الأوراق الرسمية التى عليها ورقة دمغة وختم النسر وتوقيع شاهدين. وهذا هو الفهم والتحليل لدن الكاتب، ثم هو يجعل من نفسه مع ذلك مشرّعا للمسلمين، ضاربا عُرْض الحائط بكل التراث التشريعى فى هذا الصدد، وعلى رأسه أحكام القرآن والسنة! الحق أن ما يزعمه كاتبنا غريب غاية الغرابة. إن كلامه، مع شديد الأسى والأسف، أقرب إلى التباسط فى الحديث منه إلى أى شىء آخر. والخوض فى شؤون القانون والشريعة على هذا النحو أمر لا يصح!

ثم ما قاله عن المهر، وما أدراك ما قاله عن المهر! إنه لا يرى أهمية له، والزواج عنده يتم دون مهر على الإطلاق. ولو أنه قال إن غُلُوّ المهر مسألة غير مستحبة، وإنه إذا كان الزوج فقيرا فيكفيه أن يقدّم ولو خاتما من حديد أو يعلّم زوجته شيئا من القرآن مثلا أو يقوم بالعمل عند والدها مدة معينة نظير زواجه منها لقلنا له: "نعم ونعام عين"، لكنه مع بالغ الاسف يلغى المهر تماما. وبإلغائه المهر لا يعود هناك أى فرق بين الزواج والمخاللة. أما النية فمرجعها إلى الله، ومن يا ترى يستطيع قراءة النفوس وما تنتويه؟ وعلى هذا كله فمن الواضح أن عقد الزواج قد تحول على يد الأستاذ جمال البنا إلى شىء هُلاَمِىّ لا قِوَام له ولا حقيقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير