تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا عجب إذن أن يكون هذا القصص بدعاً مما عرفته الانسانية من هذا اللون في القديم والحديث حتى ذلك القصص الذي جاء في الكتب السماوية نجده يختلف تماماً عن القصة القرآنية، فأنت تجد القصة في هذه الكتب فضلاً عما فيها من مخالفة لقواعد العلم وقوانين التربية، فهي مع ذلك تذكر الله ورسله بما يأباه العقل وتشمئز منه النفس، وماذا أكثر من أن يوصف الله بالندم والبداء، والظهور بصورة البشر ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ وان يوصف الرسل بالكذب والسكر والزنا!!.

أما القصة الأدبية في القديم والحديث فبعضها يقوم على الخيال الذي لا حقيقة له، وبعضها يقوم على تشويه الحقائق وثالث ينحرف به كاتبه عن القيم والمثل والمبادئ.

ستبقى القصة القرآنية إذن الشعلة التي تضيء لهذا الانسان، لتصل حاضره بماضيه، وستبقى النفحة الربانية التي تشرق بها النفس وتعمر القلب، وستبقى الوثيقة الوحيدة الصادقة الخالدة التي يطمئن الانسان لمصداقيتها، وستبقى النمط السويّ، الذي إن ترسمناه حقاً فسيقينا سلبيات التشويش والتهويش والتشويه.

تلك بعض الحقائق عن القصة القرآنية، هو موضوع التكرار، التكرار في القصص القرآني.

فالناظرون في كتاب الله تعالى من أجل تلاوته وتدبره، أو بهدف التشكيك والطعن يجدون لأول وهلة ان هناك قضايا ذكرت أكثر من مرة، وفي أكثر من موضع كالقصص وموضوعات العقيدة وبعض الجمل والآيات، وسموا ذلك تكراراً.

ومع ان إجماعهم على هذه التسمية، إلا انهم اختلفت فيه مذاهبهم وتعددت مشاربهم، وتلك طبيعة في أحوال الناس، بل هي سنة من سنن الله في هذا المجتمع البشري، فالكثرة الكثيرة من المتدبرين رأوا أن في هذا التكرار سحر بيان، وتثبيت بنيان، فعدوه بلاغة واعجازاً ووجدوا فيه منهجاً قويماً، وهدفاً عظيماً من مناهج التربية وأهدافها، وحاولوا أن يبرهنوا على ذلك ببراهين مما عرفته العرب في كلامها شعراً ونثراً، وأن يقيموا عليه الأدلة مما قرره علماء النفس وعلماء الاجتماع وأساطين التربية، وذووا الاختصاص في فن الإعلام والدعاية.

وفئة قليلة عميت أو تعامت، هيمن عليها الحقد فعدت هذا مثلبة ومطعناً في كتاب الله، وهؤلاء لم يظهروا إلا بعد أن فسد الذوق البياني، وضعفت السليقة العربية، لذا رأينا أن هذه القضية لم تظهر مبكرة، فلم نسمع شيئاً عنها حتى من أعداء القرآن الذين كانوا ذوي سلائق سليمة في اللغة، بل على العكس من ذلك وجدنا ان هذا القرآن يملك عليهم كل شيء وإن لم يؤمنوا به، ولكن هذه القضية ظهرت فيما بعد حينما فسد المزاج اللغوي، واجتمع الطاعنون على دين الله من كل صوب، وتألبوا حسداً على دين الله، فبدأ الحديث عن شبهة التكرار. هذا وقد شمّر العلماء عن سواعد الجد ليردوا إلى النحور الظالمة سهام الحقد، فبينوا أنّ اللفظ حينما يكرر في الحس فإنما يقرر في النفس.

وعرض المفسرون والكاتبون في علوم القرآن والدراسات القرآنية لهذه القضية فلم يألوا جهداً في دراسة هذه القضية، ولعل من أقدم الذين عرضوا لقضية التكرار عرضاً موجزاً مركزاً امام أهل السنة اللغوي ابن قتيبة:

قال رحمه الله: (وأما تكرار الأنباء والقصص، فإن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجوماً في ثلاث وعشرين سنة بفرض بعد فرض، تيسيراً منه على العباد، وتدريجاً لهم إلى كمال دينه، ووعظ بعد وعظ تنبيهاً لهم من سنة الغفلة وشحذاً لقلوبهم بتجدد الموعظة، وناسخ بعد منسوخ، استعباداً لهم، واختباراً لبصائرهم يقول الله عز وجل: (وقال الذين كفروا، لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً)).

ثم يقول: (وكانت وفود العرب ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فيقرئهم المسلمون شيئاً من القرآن فيكون ذلك كافياً لهم. وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض، ويلقيها في كل سمع ويثبتها في كل قلب، ويزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير