تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هل في القصص القرآني تكرار؟!

لانحب أن نتعجل الإجابة عن هذا السؤال، نرجئه حتى نلم بالموضوع من جميع الجهات، ولابد أن نقرر هنا ما يلي:

1 ـ لم تلتزم القصة القرآنية طريقاً واحداً من حيث الطول والقصر والإجمال والتفصيل، فهناك القصة المفصلة: كما في قصة موسى عليه السلام في سورة الأعراف، وقصة نوح عليه السلام في سورة هود.

وهناك القصة المجملة: كما في قصة نوح في سورة الأعراف، وقصة موسى في سورة هود، فلقد أجملت كل من السورتين ما فصلته الأخرى.

كذلك سورة يونس فصلت بعض التفصيل في قصة موسى عليه السلام وأجملت في قصة نوح عليه السلام.

2 ـ إن كل قصة قرآنية مجملة أم مفصلة، قصيرة أم غير قصيرة، جاءت تفي بالغرض الذي سيقت من أجلهن فليس قصر القصة يشعر القارئ بشيء من النقص، بل ربما يذكر في القصة القصيرة ما لايذكر في غيرها، ولعل خير مثال على ذلك ما ذكرته قصة نوح في سورة العنكبوت.

3 ـ إن بعض القصص القرآني لم يذكر إلا مرة واحدة، وبعضه الآخر ذكر أكثر من مرة، فالقصة التي ذكرت أكثر من مرة في كتاب الله كانت ذات صلة وثيقة بقضية الدعوة والدعاة إلى الله تعالى.

أما التي ذكرت مرة واحدة فمع سمو الحقائق التي قررتها، وما فيها من مناهج تربوية، وغايات رائدة، ألا أنها لم تكن تتحدث عن مجال الدعوة، وعما كان بين الأنبياء عليه السلام وأممهم، وما لاقاه هؤلاء من أولئك، إنما كان حديثها في مجالات اجتماعية، وجوانب إنسانية، وقيم خلقية تمد الباحثين والعلماء بقبس لايخبو على مدى الدهر.

وهذا الضرب من القصص ـ أعني الذي لم يذكر كثيراً في كتاب الله تعالى ـ يظن البعض لأول وهلة أنه قليل إذا قيس بغيره، مما ذكر مرات كثيرة، لكن الأمر على العكس من ذلك، فقصة يوسف عليه السلام لم تذكر إلا مرة واحدة، كذلك قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح التي جاءت في سورة الكهف، وقصة موسى مع قومه في دخول الأرض المقدسة التي جاءت في سورة المائدة، ومع قومه في ذبح البقرة. ومن هذا القبيل ما جاء في شأن ابني الخالة يحيى وعيسى عليه السلام، حيث ذكرتا مرتين، إحداهما: في مكة في سورة مريم، والأخرى: في المدينة في سورة آل عمران، وما جاء في شأن يونس عليه السلام وما كان من خبر أيوب وداود وسليمان عليهم صلاة الله وسلامه عليه، فلقد ذكر خبر أولئك مفرقاً على عدة سور، حيث خصت كل سورة بجانب يتلاءم مع موضوعها وشخصيتها.

ولعل القصة الوحيدة التي خرجت عن هذه القاعدة فذكرت أكثر من مرة وليس لها صلة مباشرة بالدعوة والدعاة، قصة آدم، ولكن إذا عرفنا أن قصة آدم أبي البشر جاءت تحدثنا عن النواحي الفطرية والجوانب الرئيسة في حياة الإنسان، وعن الاستعدادات والغرائز التي تتكون منها طبيعته، إذا عرفنا ذلك أدركنا السر الذي ذكرت من أجله قصة آدم في أكثر من سورة.

فالقصص الذي ذكر أكثر من مرة، قصص أولئك الأنبياء الذين تحملوا المشقة ولاقوا العنت، وهم يدعون أقوامهم كنوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام.

على أن في القرآن الكريم قصصاً لغير الأنبياء، أو لمن اختلف في نبوتهم لم تذكر إلا مرة واحدة في كتاب الله، كقصة ذي القرنين، وما كان من حديث لقمان لابنه، ونبأ ابني آدم وقصة أهل الكهف وخبر المائدة التي طلبها الحواريون ونبأ أصحاب الجنة الذي جاء في سورة (ن).

فهذه القصص جميعها مع ما تعطيه من قيم، ومع كثرة ما فيها من عظات وفوائد، ومع ما يستنتج منها من قواعد كثيرة في الاجتماع والتربية والسياسة والحكم وغير ذلك من المجالات الحيوية المفيدة التي أراد الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أن تفيد منها. أقول: مع ما تعطيه هذه القصص من ذلك كله إلا أنه اكتفي بذكرها مرة واحدة، لأنها تؤدي الغرض الذي سيقت من أجله من غير أن تذكر مرة أخرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير