تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالوحي عندما يعالج قضية من القضايا، لا ينظر إليها معزولة عن باقي القضايا الأخرى، بل ينظر إليها بشكل مترابط لا تقبل التفكيك أو التجزيء، لأنه (الوحي) ببساطة منهج حياة، جاء ليقيم الحجة على الخلق " فلو لم يجز التفسير لا يكون حجة بالغة، فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب وعرف شأن النزول أن يفسره، وأما من كان من المتكلفين ولم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز له أن يفسره إلا مقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير فلا بأس به، ولو أنه قال المراد من الآية كذا وكذا من غير أن يسمع فيه شيئا فلا يحل له هذا، وهذا الذي نُهِيَ عنه".

لكن التهافت على تفسير كلام الله جل وعلا، بطريقة عارية عن المنهجية الصحيحة، شَكَّلَ خلالا معرفيا عند المسلمين، إذ أصبح الكل له الحق في تفسير القرآن الكريم، ولا تسأل بأي طريقة، أو بأي منهجية، مادام أهل التفسير لم يوحدوا نظرتهم إلى كلام الله وهذا ما حدا بالمرحوم أحميدة النيفر إلى القول:"مما يميز الفكر العربي الحديث في مجالي التأليف والنشر وفرة الإنتاج التفسيري للنص القرآني أو المعتمد عليه لمعالجة بعض القضايا النظرية أو المسائل الاجتماعية، ففي ظرف قرن ونصف ظهر في البلاد العربية ما يزيد عن مائة مؤلف فضلا عن المقالات التحليلية والدراسات الموضعيّة.

إلى جانب هذه الوفرة العددية نلاحظ أن العناية بالتفسير وإن لم تَفْترْ طيلة العصر الحديث فإن وتيرة صدورها يضل أمرا لافتا للنظر، السمة الأساسية لهذه الوثيرة هي: أنها مع استقرار نسبي تعر ف فترات تسارع كبير وغزارة غير معهودة. فترات الذروة هذه تبدو متزامنة أو تالية لأزمات مجتمعية و مؤسساتية بالغة الحدة، إثر ذلك تعود الوثيرة إلى وضع الاستقرار في انتظار طور تصاعدي جديد.

هذه الخصوصية تجعل اشتداد الاهتمام بالقرآن تفسيرا ودراسة مرتبطا بما يعتري المجتمعات العربية من اهتزازات وتساؤلات.

... ما يشد الانتباه أن نسبة عالية من هؤلاء (المؤلفين) ليسوا من خريجي المعاهد الشرعية أو كليات أصول الدين، وليسوا من أصحاب الخطط الرسمية الدينية".

هذه الجرأة السافرة على كلام الله تعالى عن طريق خلع القداسة عنه شجعت مجموعة من المثقفين العرب لتصريح بأقوال، وتأليف مؤلفات، في أغلبها مناوئة للشريعة والقرآن لذلك فالأستاذ حسن حنفي كمثقف عربي " اعتبر بعض المفاهيم والمصطلحات القرآنية غيبية لا تساهم في النهضة، فدعا إلى تجديد اللغة وعدم استعمال ألفاظ: الله، والدين، والجنة، والنار ... ، لأن الوجدان المعاصر لا يقبلها.

إن هذا التأثر بالآخر والتودد إليه جعل حنفي يستنكف من استعمال مصطلحات القرآن، ليستبدلها بألفاظ يقبلها الآخر، كما استنكف من العودة إلى " النصوص " أي: القرآن والسنة- لأن الآخرين من غير الإسلاميين لا يرتضونها ... ".

فحنفي يعتبر نموذجا من النماذج التي عبَّرت عن رأيها بصراحة تجاه الشريعة والقرآن وهو ليس أسوء من محمد أركون، أو نصر حامد أو زيد، أو عابد الجابري .. الخ. واللائحة طويلة.، فالذي تعرفه بشكل فيه شيء من الصراحة خير من الذي يتترس وراء حيل وألاعيب غير نافقة في سوق العلماء وطلبة العلم على حد سواء،" ولأن القضية أكبر مما يتصوره البعض من أنها مجرد زوبعة في فنجان ... إضافة إلى أنها تدل على الجمود الذي تتمترس به أطراف، فتفسح المجال أمام الانفلات عند أطراف أخرى تجد لها صدى في واقع يعاني الجمود ويخشى الضياع، فلابد من الدخول في حوار مع هذا العقل المعاصر، وذلك لوضعه على المحك وإدخاله حيز النقاش والاختبار، وبيان وسائله وطرقه واستدلالاته ومناهجه، ومعرفة دوافعه ومحركاته، وذلك من خلال عملية نقد بنَّاءة تفسح المجال لنفض الجمود والكلالة وترشيد الجهود المعاصرة واستهلاك الأفكار العابرة ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير