2 - الجوع والسَغَب والمخمصة: في اللسان " الجوع: نقيض الشبع، والجوع: المخمصة " (16) وفيه " الخَمْص والخَمَص والمخمصة الجوع، وهو خلاء البطن من الطعام جوعاً، والمخمصة: المجاعة: (17) وفي المفردات " قوله تعالى (في مخمصة) أي مجاعة تورث خمص البطن أي ضموره " (18) وفي اللسان " سغب يسغب سغباً وسَغْباً ومسغبة وسغوباً: جاع، وهو ساغب وذو سغب (19) وفي المفردات " السغب: الجوع مع التعب، وقد قيل في العطش مع التعب (20)، وصاحب القاموس يردد القول نفسه "…أو لا يكون السغب إلا مع تعب (21) وفي المفردات " الجوع: الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة من الطعام (22) " وهذه التعريفات المعجمية لا تحدد الدلالات بدقة كما نرى.
وقد ورد الجوع في القرآن في خمسة مواضع هي:
(طه: 118) (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى) 1 -
((ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) 2 - البقرة: 155).
(النحل: (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) 3 - 112)
(الغاشية: 7 - 8 (ليس لهم طعام إلا من ضريع. لا يسمن ولا يغني من جوع) 4 - )
من سورة قريش (فليعبدوا رب هذا البيت.الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) 5 - .
وأنت ترى في هذه المواضع جميعاً أن الجوع وارد في سياق العذاب واقترانه في هذه السياقات بالخوف والجوع ونقص الثمرات والأموال والأنفس والعري … كل هذا يؤيد كونه عذاباً، فإن المعنى نفسه قائم لأنه تعالى يمتن عليهم بأنه أمنهم العذاب (الجوع) والخوف.
أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً) أما السغب فقد ورد في قوله تعالى (البلد: 14 - 16) وليس السغب هنا عذاباً ولا (ذا مقربة. أو مسكيناً ذا متربة يحمل تلك الظلال التي يحملها لفظ الجوع، وإنما السغب يكون عن يتم أو فقر أو مسكنة ... لا عن عقاب وابتلاء. والمخمصة وردت في موضعين:
فمن اضطر في مخمصة غير) أ- (المائدة: 30) (متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) ب- (التوبة: 120) والمخمصة في هذين الموضعين ليست (ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله … عن عقاب أو عذاب كما هو الجوع ولا عن يتم أو فقر أو مسكنة كما هو السغب، بل هي حالة عارضة قد تكون اضطراراً كما في الحالة الأولى، أو في ظروف الجهاد في سبيل الله كما هي الحالة الثانية، ونحن نرجح كون المخمصة حالة خاصة أي تحدث في ظروف خاصة، وفي تعريف اللسان " الحمص والمخمصة الجوع وهو الخلاء البطن من الطعام جوعاً " والعبارة السابقة " خلاء البطن من الطعام جوعاً " تفسر المراد هنا، وهو أن الخمص حالة عارضة وليس في ذلك ما يوحي بابتلاء أو عقاب أو فقر ومسكنة.
3 - الصوف والعهن: ورد لفظ ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) الصوف في موضع واحد هو (النحل: 80) وهو وارد في سياق امتنان الله تعالى على عباده بهذه النعم، والصوف (معروف وهو شعر الغنم، وكذلك العهن، وبذا فسرت المعاجم وكتب اللغة لفظ العهن في القرآن الكريم، وفي القاموس. العهن: الصوف، أو المصبوغ ألواناً (23) وفي المفردات:"العهن: الصوف المصبوغ" (24) وأصل مادة عهن في اللغة يدل على اللين والسهولة والضعف…وفسر العهن كذلك بالصوف المصبوغ " (25).
ولكن القرآن الكريم يستعمل اللفظ في مواضع لا يقوم مقامه فيها لفظ الصوف، وقد ورد اللفظ في موضعين هما:
يوم) أ- (المعارج:8 - 9) (تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن
وتكون الجبال) ب- (القارعة: 5) (كالعهن المنفوش
واللفظ وارد في سياق تشبيه الجبال الراسيات بالصوف المنفوش يوم القيامة حين ينسفها ربنا نسفاً ويسيرها سيراً… فلماذا فضل لفظ العهن على لفظ الصوف هاهنا؟
إن الجبال تتكون من تربة ذات ألوان مختلفة، كما (فاطر:27) فكان (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) قال تعالى أقرب شبه لذلك العهن أي الصوف الملون بتلك الألوان نفسها، وذلك حين تنفش وتسير، ولا يقوم لفظ الصوف هذا المقام ولا يحتمل السياق غير لفظ العهن!
وأخيراً فإن هذا قليل من كثير، نسأل الله تعالى أن نتوفر عليه في بحث شامل إن شاء الله، وعلى ذلك سنجد أن الفؤاد غير القلب، وأن الحلف يأتي في مواضع الاعتذار والندم، والقسم يأتي في مواضع التعظيم والعزة والقوة، ولا يفسر أحدهما بالآخر، والسنة تظهر فيها ملامح الشدة بما لا يظهر مع العام، والمدينة تأتي في سياق لا تأتي فيه يثرب، والزواج غير النكاح، ويأتي العقل في مواضع لا يأتي فيها اللب والحِجر والنُّهى، وانفجر غير انبجس، والجسم يستعمل في القرآن لما فيه روح فقط، والجسد لما ليس فيه روح، وجلس للمكوث القليل وقعد للكثير…إلخ، وهذه بعض ملامح الإعجاز في لغة القرآن الكريم، والله الموفق.
الهوامش
1 - لسان العرب (ردف) ط دار المعارف د. ت.
2 - مقاييس اللغة (ردف) ط دار الفكر-بيروت1415هـ-1994م.
3 - التعريفات، للشريف الجرجاني:210،مكتبة لبنان1969م.
4 - المزهر، للسيوطي:1/ 402، ط دار التراث د. ت.
5 - نفسه:1/ 405.
6 - د/رمضان عبد التواب، فصول في فقه العربية:318،ط2،مكتبة الخانجي 1981م.
7 - اللغات السامية:81،ترحمة الدكتور رمضان عبد التواب، القاهرة1963م.
8 - المفردات في غريب القرآن:6،ط دار المعرفة -بيروت د. ت.
9 - الكشاف:3/ 614،ط دارالريان للتراث 1407هـ-1987م.
10 - مدخل إلى علم اللغة: 79،ط دار الثقافة1978م.
11 - الصاحبي:78 - 83،ط الحلبى د. ت.
12 - البرهان في علوم القرآن:2م200نط2 دار المعرفة- بيروت د. ت.
13 - اللسان (مطر)
14 - القاموس المحيط (مطر)
15 - المفردات:496،367.
16 - اللسان (جوع)
17 - نفسه (خمص)
18 - المفردات:159.
19 - اللسان (سغب)
20 - المفردات:233.
21 - القاموس (سغب)
22 - المفردات:103.
23 - القاموس (عهن)
24 - المفردات:351.
25 - مقاييس اللغة (عهن)