تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال ابن حزم في الإحكام 1/ 114:" كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك، ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل، فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين، وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه، وألا يحرف منه شيء أبدا تحريفا لا يأتي البيان ببطلانه إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذبا وضمانه خائسا وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل.

فوجب أن الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ بتولي الله تعالى حفظه مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه و ما يأتي أبدا إلى انقضاء الدنيا .. فإذ ذلك كذلك فبالضروري ندري أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين، ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطا لا يتميز عن أحد من الناس بيقين، إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ، ولكان قول الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) كذبا ووعدا مخلفا وهذا لا يقوله مسلم.

فإن قال قائل: إنما عنى تعالى بذلك القرآن وحده فهو الذي ضمن تعالى حفظه لاسائر الوحي الذي ليس قرآنا.

قلنا له وبالله تعالى التوفيق: هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل، والذكر: اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن، وأيضا فإن الله تعالى يقول (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فصح أنه عليه السلام مأمور ببيان القرآن للناس، وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مما لا نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه لكن ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان بيانه عليه السلام لذلك المجمل غير محفوظ ولا مضمون سلامته مما ليس منه؛ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه، فإذاً لم ندر صحيح مراد الله تعالى منها ".

فالحاصل أنه وإن فسر (الذكر) في الآية بالقرآن، فإن الغرض من إنزاله التدبر وثمرته العمل به، ولايتم ذلك إلا بالسنة التي جاءت شارحة وموضحة ومفصلة ومبينة للقرآن، كما أشار إلى ذلك الشيخ عبدالرحمن الشهري وفقه الله، فيكون حفظ السنة من لوازم حفظ القرآن، والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير