تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد قلت في دروس وخطب وفي أكثر من مناسبة إن فهم القرآن لن يكون إلا بالتجرد عن الهوى أولاً وقبل كل شيء ثم إن التجرد عن الهوى لا يكفي وإن كان مهماً بل لا بد من فعل إيجابي وهو فهم معنى الدين الذي ارتضاه الله تعالى لنا ولا يكون ذلك إلا بفهم الكلمة الطيبة التي هي خير كلمة قالها المسلم وهي أفضل الذكر (لا إله إلا الله) والتي وإن كان كثيرون يرددون معناها (لا معبود بحق إلا الله تعالى) إلا أنهم يرسبون في أول امتحان فتجدهم لا يؤمنون بذلك حقيقة لأن الإيمان قول وعمل وليس مجرد قول وليس مجرد تصديق! ولذلك فإنك تجدهم يفسرون القرآن بما يوحي بأنهم لا يعلمون أنه لا إله إلا الله بل بما يوحي بأنهم لا يؤمنون بذلك! وبالمثال يتضح ما نقول:

فهناك من يفسر القرآن العظيم ويشار إليه بأنه مفسر وقد عرض له قوله تعالى في سورة الفرقان (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً) فقال ما معناه إن المقصود بالآية أن الله تعالى يهيء للتائب أن يعمل من الحسنات بقدر السيئات التي فعلها أولاً فيعطيه أجراً على قدرها فيكون بذلك قد بدل سيئاته حسنات! وأنا أسالكم بالله هل تحتمل هذه الآية هذا المعنى؟! وتدرون لماذ قال بذلك لأنه يرى أن الله تعالى يستحيل أن يجرئ الناس على معصيته! وكأن هذا الذي لا يعرف قدر نفسه أعلم من الله تعالى بنفسه حتى إنه يقرر كيف يعطي الله تعالى الحسنات وكيف يضع السيئات!

إن هذا (المفسر) لو كان يعلم أنه لا إله إلى الله لعلم أن الأمر كله لله وأن الله يحكم ما يريد فكل شيء له وكل أمر فيرجع إليه فلا إله إلا هو العزيز الحكيم ولذلك فقد كان عليه أن يسلم لله تعالى فإن الدين عند الله الإسلام والإسلام هنا هو الإسلام المطلق لله رب العالمين! وبما أن كل شيء لله تعالى أفليس له سبحانه أن يعطي من شاء ما شاء من الحسنات لأي سبب بل وبدون سبب؟! أفليس له سبحانه أن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويضاعف لمن يشاء؟! وإلا فما هو معنى لا إله إلا الله؟! أليس كل شيء لله وخاضع له ولمشيئته؟!

وقد ذكرني هذا باستشكال طرح في مجلس كنا فيه حول حديثين يذكران امرأتين اختلف تعاملهما مع حيوانين أولهما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" والآخر ان امرأة بغياً من بني إسرائيل سقت كلباً فغفر الله تعالى لها" فكيف يعذب من أجل هرة ويغفر من أجل إسقاء كلب؟! ووالله إن هذا الاستشكال لا يصدر عمن يعلم أنه لا إله إلا الله!

أليس الأمر لله تعالى؟! أليس الله يحكم ما يريد؟! لقد رتب الله تعالى أجراً على الإحسان غلى كل ذي كبد رطبة ورتب وزراً على من عذبه فهل لك ان تسأل الله تعالى لم فعل ذلك؟! لا أستبعد أن يصل الأمر بهؤلاء إلى أن يسألوا كيف يرتب الله تعالى هذا الأجر على الصلاة؟! وهذا الوزر على الزنا وهكذا ولن ننتهي من استشكالات من لا يعلمون أنه لا إله إلا الله!

وقد جمعنا مجلس مع أحدهم فتطرق إلى قصة الخضر وموسى عليهما السلام وكان مما استشكله كيف يقتل الخضر عليه السلام الغلام وهو لم يفعل شيئاً وهل نقتل كل من نخشى أن يرهق والديه طغياناً وكفراً ولماذا لم يرسل الله تعالى حية لتقرص الغلام فيموت بدلاً من أن يقتله الخضر؟!

وقد بدأت بالحديث معه أولاً عن لا إله إلا الله حتى يسهل فهم كل ذلك وقلت له إنك وما تملك وكل شيء في الوجود هو لله تعالى وليس لك فيه شيء ولا يحق لك أن تتصرف فيه إلا بإذن من الله تعالى ولو أمرك سبحانه بشيء يتعلق به حتى لو كان خلاف ما ترى أنه مصلحتك وحتى لو كان يضرك وحتى لو كان فيه خلاف ما ترى أنه مصلحتك فإن من مصلحتك أن تفعل ما أمرك الله تعالى به لأن الأمر كله لله وليس لك من الأمر شيء ومن مصلحتك ألا تناقش في أي امر من اوامر الله تعالى حتى لا تقع فيما وقع فيه إبليس عندما عصى الله تعالى الذي امره بالسجود لآدم وتعلل بذرائع فارغة لا تقدم ولا تؤخر. وقلت لهذا الذي استشكل قصة الخضر مع الغلام إن الخضر فعل ما فيه مصلحته وليس من مصلحته أن يعارض أمر الله تعالى فكان حكيماً عندما سارع بتنفيذ الأمر. وقلت له لو كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً وأوحى الله تعالى إليه بأن يقتلك دون أن تفعل شيئاً فهل كان صلى الله عليه وسلم يستطيع إلا أن ينفذ أمر الله تعالى فيك؟! بل لو أمرك الله تعالى عن طريق نبيه أن تقتلني فهل لك أن تتأخر عن ذلك؟! إن من مصلحتك أن تبادر بتنفيذ الأمر لأن الله تعالى له كل شيء وكل شيئ يخضع لإرادته ومشيئته وله أن يحكم فيه سبحانه بما يريد لا راد لحكمه ولا معقب له، ولا يسال عما يفعل.

ثم قلت لهذا المستشكل إن الغلام والخضر كلاهما ملك لله تعالى وله أن يسلط شيئاً من ملكه على شيء آخر وإنني أتعجب وأرد على استشكالك باستشكال له! فأقول لك ما الذي يمنع من أن يرسل الله تعالى الخضر على الغلام فيقتله بدلاً من أن يسلط حية عليه فتقتله؟!

ثم بينت له أنه لا يجوز أن يخرج أحد على أمر الله تعالى فالله تعالى قد أمر الخضر بأن يقتل هذا الغلام ولكنه لم يأذن لنا نحن الذين شرفنا باتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بأن نقتل أي غلام إذا خشينا ان يرهق والديه طغياناً وكفراً! وليس في وسع أحد أن يخرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن أرسله الله تعالى!

والخلاصة أننا لن نعود إلى ما كنا عليه إلا بفهم القرآن وتدبره والعمل به ووالله إننا لن نفهم القرآن ولن نفهم السنة ولن نفهم الشرع بل لن نفهم شيئاً في هذه الحياة فهماً حقيقياً حتى نفهم الكلمة الطيبة لا إله إلا الله فإذا فهمنا أن كل شيء لله تعالى وأن كل شيء يخضع لمشيئته سبحانه فإنه سيسهل علينا فهم كل شيء بعد ذلك.

أسأل الله تعالى ان يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا والحمد لله رب العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير