تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بلاغته بلغاء العرب وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسالكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة وطرائق متباينة فضلا عن المقامين فضلا عن المقامات فضلا عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام فإذا قال متكلف: كيف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا: لا كيف:

(فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... وهات حديثا ما حديث الرواحل)

وكلام الشوكاني هذا تهدمه أمور كثيرة منها:

- إن الترتيب الذي على المصحف هو ترتيب إلهي نزل به القرآن إلى بيت العزة كما هو معلوم، وهذا النزول بخلاف النزول التنجيمي الذي به نزل القرآن إلى الأرض؛ يقول الإمام القرطبي: "ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر على ما بيّناه جملة واحدة؛ فوضع في بيت العزة في سماه الدنيا؛ ثم كان جبريل ( r) ينزل به نجما نجما في الأوامر والنواهي والأسباب؛ وذلك في ثلاث وعشرين سنة " ولو لم يكن هذا الترتيب مقصوداً لصحّ نفي التناسب؛ ولهذا يقول الشيخ ولي الدين الملوي (قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المفرقة، وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا وتأصيلا؛ فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة .... وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها)

- إن هذا الترتيب ترتيب توقيفي لا يمكن الاجتهاد في تغييره، والقارئ للقرآن إنما يقرأه بحسب هذا الترتيب لا بغيره، ومعلوم أن العلماء قد أنكروا تقديم السورة المؤخرة وتأخير السورة المقدّمة وسموا ذلك تنكيسا، ولو لم يكن الترتيب مقصودا لما كان لهذا الإنكار من معنى

- كان حمزة القارئ يعدّ القرآن بمنزلة السورة الواحدة، وكان كثير من القراء يرون وصل السور بسكت وبلا سكت ولهم في ذلك مذاهب، ولأجل ذلك فإن هذا الترتيب إنما قصد لأجل التناسب والارتباط.

- يقول الإمام القرطبي: "قال قوم من أهل العلم: إن تأليف سور القرآن على ما هو عليه في مصحفنا كان توقيفا من النبي ( r) فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف؛ فكله عن محمد خاتم النبيين عن رب العالمين، فمن أخّر سورة مقدّمة أو قدّم أخرى مؤخّرة كمن أفسد الآيات وغيّر الحروف والكلمات"

- ذكر الشوكاني أن القرآن قد نزل على طريقة العرب، وهذا أمر معلوم لا ينكره أحد، ولكن نزوله على لغة العرب لا يلزم عنه أن يكون تناسبه ونظمه ومعانيه كتناسب الأشعار أو الخطب وكنظمها ومعانيها؛ فإذا كانت خطب العرب مع بعضها غير متناسبة - فليس بالضرورة أن يكون القرآن كذلك، ومعلوم يقينا أن القرآن - وإن كان جارياً على طريقة العرب - إلا أنه فائق لكل أشكال الكلام العربي، وإلا لم يكن لادعاء الإعجاز من معنى.

وما ذكره بعض العلماء كالشرقاوي في كتابه القيم " موقف الإمام الشوكاني من المناسبات" من أن الإمام الشوكاني قد (كان يستعين في فهم المعنى أو الترجيح بين الآراء أو استجلاء الحكم بالسياق العام للآيات وفي هذا ما يدل على تسليمه بوجود ترابط وتناسب بين الآيات على ضوئه يسترشد) فيه نظر إذ إن الشوكاني وغيره لم يكونوا يعدون السياق والنظم وارتباط الجمل القريبة – الذي لا يستطيع أحد إنكاره- من وجوه هذا العلم

ولكن يبدو لي أن الشوكاني قد عرف خطأه وأدرك قيمة جهد البقاعي فتراه يمدحه فيقول" ومن أمعن النظر في كتابه المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علم المعقول والمنقول، وكثير ما يشكل على شيء في الكتاب فأرجع إلى مطولات التفسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفي وأرجع إلى هذا الكتاب - نظم الدرر - فأجد فيه ما يفيد في الغالب "

وفي ذلك الموضع الذي هاجم فيه الشوكاني البقاعي تراه يقول (كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسبما ذكر في خطبته) وهذا السياق يشير إلى أن الشوكاني عندما هاجم هذا العلم لم يكن يعرف أهله إلا من خلال كتاب البقاعي.

ثم ترى الشوكاني قد عاد وربط بين سورة الحج والأنبياء ثم بين الفيل وقريش وربط بين قصة وأخرى، وهذه الأشكال هي الأشكال التي رفضها بعينها ووصفها بالمتكلفة

فهل فعل ذلك لأنه اكتشف قيمة علم المناسبة أم كان رفضه لأجل التكلف؟ والإجابة عندي هو الأولى، وكثيرا ما كان علماؤنا يرجعون عن أقوالهم إذا تبين لهم أن الحق في غيرها.

ولمزيد من المعلومات حول علم المناسبة انظر ما كتبته داخل هذا الملتقى على هذا الرابط

http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=14836

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير