ـ[ابو حيان]ــــــــ[03 Oct 2003, 11:12 م]ـ
الشكر للشيخ العبيدي
وهذه بعض الإشكالات من كلام الإمام ابن كثير:
(3) في قوله تعالى: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته) الآية ذكر ان ابن عباس وغيره فسر الإحاطة بالكفر
وأن مجاهد قال: (وأحاطت به خطيئته) أي بقلبه
وأن أبا العالية وقتادة وغيرهما قالوا: (وأحاطت به خطيئته): الكبيرة الموجبة
ثم قال: وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى.
فكيف تكون متقاربة إلا أن يكون قصده أن الآية تحتملها جميعا؟
(4) في قوله: (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وما روت ... ) الآية قال عن اختيار الأمام ابن جرير:
.... ثم ادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك لأنهما امتثلا ما أمرا به
ثم قال:
وهذا الذي سلكه غريب جدا؟!
فأين وجه الغرابة مع أن الله يقول: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر)؟
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[05 Oct 2003, 01:28 م]ـ
بسم الله
أخي أبا حيان
المسألة الأولى عن كلام ابن كثير لا إشكال فيها بحمد الله، بل كلامه واضح وصحيح.
ومعنى كونها متقاربة ظاهر، فيمكن أن تجمع أقوالهم بهذه الصيغة: بلى من كسب سيئة وأحاطت الخطيئة الكبيرة الموجبة للنار - التي هي الكفر -بقلبه فألئك أصحاب النار والعياذ بالله.
وأما المسألة الثانية:
فاستغراب ابن كثير لمسلك ابن جرير مبني على كونه يرجح خلاف ما رجحه ابن كثير.
وقد بحث الشيخ أحمد القصير هذه المسألة في موضوع مستقل هنا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=694)
وهذا نص ما ترجح لديه وما توصل إليه:
الترجيح:
الذي يظهر – والله أعلم – أن هاروت وماروت كانا ملكين من ملائكة السماء أنزلهما الله – عز وجل – إلى الأرض فتنة للناس وامتحاناً، وأنهما كانا يعلمان الناس السحر بأمر الله – عز وجل - لهما.
ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن جنود طالوت بعدم الشرب من النهر في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (259)} () وكما امتحن عباده بخلق إبليس وهو أصل الشر، ونهى عباده عن متابعته وحذر منه. ()
برهان ذلك:
1 - قوله تعالى في الآية: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}
فالضمير في قوله: {يُعَلِّمَانِ} وقوله: {مِنْهُمَا} عائد على الملكين؛ لأنهما أقرب مذكور، ولأنه ورد بصيغة التثنية فهو مبدل منهما.
وفي قولهما: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} دليل واضح على أنهما كانا يعلمان السحر، وإلا فما فائدة تحذيرهما من ذلك؟! ()
وهذا الذي قلنا هو الظاهر المتبادر من السياق، وهو أولى ما حملت عليه الآية. ()
2 - أن المروي –عن الصحابة والتابعين– في قصة هاروت وماروت، حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، ولا يصح فيها حديث مرفوع ()، والأصل أنه لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور مغيبة لا دليل عليها من القرآن والسنة. ()
3 - أن ما نسب إلى الملكين – بأنهما شربا الخمر، وقتلا، نفساً وزنيا– غير جائز في حقهما لما تقرر من عصمة الملائكة - عليهم السلام - من ذلك. ()
فإن قيل: إن تعليم الملكين للسحر كفر، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} () وهذا فيه قدح بعصمتهم لأنه لا يجوز عليهم تعليم السحر؟
فجوابه:
أنه ليس في تعليم الملكين للسحر كفر، ولا يأثمان بذلك؛ لأنه كان بإذن الله لهما، وهما مطيعان فيه، وإنما الإثم على من تعلمه من الناس، وقد أخبر سبحانه بأن الملكان كانا ينهيان عن تعلمه أشد النهي، حيث قال: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} ().
وقد بينا من قبل، أن لله سبحانه أن يبتلي عباده بما شاء، ومن ذلك ابتلائهم بملكين يعلمانهم السحر، والله تعالى أعلم. ()