تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه، {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا}.

فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.

السادس: التخلي عن موانع الفهم، فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحُجُب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن، وحُجُب الفهم ثلاثة:

أولها: أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان ممن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.

ثانيها: أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيَّده معتقدُه عن أن يتجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفًا على مسموعه، فإن لمع برق على بُعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك، فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويتحرز عن مثله، ومثله من يقرأ قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وما يحتويه معنى الآية من علو الله عز وجل على كل مخلوقاته وهيمنته وتصرفه في كل الموجودات فيجيئه تقليد المعتقدات الموروثة في وجوب تنزيه الله عن الجهة فيُحرم من تجليات تأمل صفة العلو والاستواء وهي من الصفات التي تكررت في القرآن بغرض التنبيه على جلال الله وعظمته وحقيقة علوه على خلقه.

ثالثها: أن يكون مصرًا على ذنب أو متصفًا بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرآة وهو أعظم حجابٍ للقلب وبه حُجب الأكثرون.

وكلما كانت الشهوات أشد تراكمًا كانت معاني الكلام أشد احتجابًا وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرُبَ تجلي المعنى فيه. فالقلب مثل المرآة والشهوات مثل الصدأ ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة. والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرآة، وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} وقال عز وجل: {وما يتذكر إلا من ينيب} وقال تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب} فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب.

السابع: التخصيص وهو أن يقدّر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدّر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السَّمَرَ غير مقصود، وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي r وأمته. ولذلك قال تعالى: {ما نثبت به فؤادك} فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما صه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى.

وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله r لرسول الله خاصة بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؟ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب فقال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} وقال عز وجل: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}، {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزلنا إليهم}، {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}، {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}، {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}، {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}، وإذا قُصد بالخطاب جميعُ الناس فقد قصد الآحاد، فهذا القارئ الواحد مقصود، فماله ولسائر الناس، فليقدر أنه المقصود، قال الله تعالى: {وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير