وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقهم، وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها، وطول اختلاف المتعلم إلى المقرئ فيها، فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشراً، وفي مائة آية شهراً، وفي السبع الطوال حولا، ورأوه عند قراءته مائل الشدقين، دارَّ الوريدين، راشح الجبينين توهموا أن ذلك لفضيلة في القراءة وحذق بها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خيار السلف ولا التابعين، ولا القراء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رَسْلةً، وهكذا نختار لقراء القرآن في أورادهم ومحاريبهم، فأما الغلام الريض والمستأنف للتعلم، فنختار له أن يؤخذ بالتحقيق عليه، من غير إفحاش في مد أو همز أو إدغام، لأن في ذلك تذليلاً للسان، وإطلاقاً من الحبسة، وحلاً للعقدة).
ثم أخذ في سرد أمثلة كثيرة لما وقع فيه بعض القراء من الغلط والوهم.
وفيما نقلته آنفاً عن ابن قتيبة رحمه الله مسائل:
الأولى: أنني لم أورد ما أوردته موافقة لرأي ابن قتيبة، أو مخالفة له، وإنما أوردته من باب اكتمال صورة المسألة لدى طالب العلم عند علماء السلف. ورغبة في الاستفادة من علم أهل الشأن ممن يشاركنا في هذا الملتقى العلمي الكريم كمشايخنا الفضلاء الدكتور محمد الشايع والدكتور إبراهيم الدوسري والدكتور مساعد الطيار والشيخ الفاضل وليد السلمي والدكتور أمين الشنقيطي وغيرهم من أهل الفضل والعلم.
الثانية: أن ابن قتيبة ذكر أن حمزة كان يكره الصلاة بقراءته التي يعلمها الناس، ولست أدري مدى صحة هذا مع ثقتي بنقل ابن قتيبة وصدقه، وربما يستأنس لنقل ابن قتيبة هذا بما تقدم في المشاركة السابقة من قول تلميذ الإمام حمزة وهو محمد بن الهيثم النخعي الكوفي رحمه الله أنه صلى خلف شيخه حمزة صلاة جهرية فكان لا يمد في الصلاة ذلك المد الشديد، ولا يهمز الهمز الشديد. فلعل هذا يؤيد ما ذكره ابن قتيبة مع تحفظي عليه! لأن سفيان الثوري شهد لحمزة بأنه ما قرأ حرفاً إلا بأثر. وقد ذكر الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال أن الإجماع قد انعقد بأخرة على تلقي قراءة حمزة بالقبول، والإنكار على من تكلم فيها، فقد كان من بعض السلف في الصدر الأول فيها مقال. وقد استغرب السيد أحمد صقر رحمه الله من دعوى الإجماع التي ذكرها الذهبي، ومن قول الثوري في تزكية قراءة حمزة، واستغرب سكوت الذهبي عما قاله فيه السلف كيزيد بن هارون وعبدالرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعبدالله بن إدريس الأودي وأبو بكر بن عياش، وابن دريد، وحماد بن زيد، والأزدي والساجي.
الثالثة: أن ابن مطرف الكناني في كتابه (القرطين) الذي جمع فيه بين كتابي ابن قتيبة (تأويل مشكل القرآن) و (غريب القرآن) قد تصرف وحذف ما ذكره ابن قتيبة عن حمزة إلى آخر الباب، وقال أنه حذفه (لما فيه من الطعن على حمزة، وكان أورع أهل زمانه، مع خلو باقي الباب من الفائدة). وقد علق عليه السيد أحمد صقر فقال: (وهو قول يدل على عصبية مضلة، وغفلة عن قيمة الحقائق العلمية ... الخ).
الرابعة: أنني لم أر ابن الجزري رحمه الله قد تعرض للمؤاخذات التي ذكرها ابن قتيبة ولا الذهبي على قراءة حمزة رحمه الله، حيث علق الذهبي على قول أبي بكر بن عياش إن قراءة حمزة بدعة بقوله: (يريد ما فيها من المد المفرط، والسكت، وتغيير الهمز في الوقف والإمالة وغير ذلك) واكتفى ابن الجزري بعزوه كراهية بعض الناس لقراءة حمزة إلى الرواة الذين نقلوا عنه بعض الأوجه المستبشعة، وحمزة رحمه الله كان ينهاهم عن ذلك. فما أدري ما تعليق العلماء الكرام المتخصصين معنا في ملتقى أهل التفسير في هذا الرأي الذي ذهب إليه ابن قتيبة والذي ذهب إليه ابن الجزري حول قراءة حمزة؟
آمل أن أقرأ نقاشاً جاداً نافعاً لما تم نقله عن ابن قتيبة، مع التجاوز عن بعض عباراته في وصف ما يعانيه من يتعلم قراءة حمزة ونحوها من العبارات الخارجة عن محل الحديث. وفقكم الله لما يحب ويرضى.
ـ[راجي رحمة ربه]ــــــــ[11 Jan 2004, 08:05 ص]ـ
وما ضر حمزة إن لم تعجب قراءته ابن قتيبة، فهشام لم تعجب قراءته سيدنا عمر من قبل، فليست العبرة من تعجبه ومن لا تعجبه، لكن العبرة بصحة السند لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما احتكما لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رضخا للحق، وهكذا الظن بابن قتيبة أو غيره من علماء المسلمين إن صح السند انقطع النقاش وحصل التسليم والإيمان، وقد يعذر المرء قبل ذلك، أما اليوم وقد انعقد الإجماع على صحتها عند جمهور علماء المسلمين فكل ما في الكتب صار تاريخا لا يؤبه به ولا بمن يتمسك به.
كما أننا لا نعرف بالضبط الأحرف التي أنكرها ابن قتيبة هل هي نفس ما نقرأ به لحمزة اليوم
ثم أنه قد يكون كره ما كره الإمام أحمد مما حقق العلماء عدم صحة نسبته لحمزة رحمه الله تعالى.
والله تعالى أعلم.
¥