تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غيره إشارة إلى أن من عاب أخاه المسلم فكأنما عاب نفسه، فنزّل البعض الملموز

منزلة نفس الإنسان لتقرير معنى الإحساس بالأخوة وتقوية الشعور بها.

ومن تعبيرات القرآن عن الغير بالنفس قوله تعالى:] لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ

المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً [[النور: 12].

المراد بأنفسهم هنا إخوانهم في الدين والعقيدة، والمعنى: فهلاّ وقت أن

سمعتم حديث الإفك هذا ظننتم بأنفسكم أي: بإخوانكم وأخواتكم ظناً حسناً جميلاً؛ إذ

لا يظن المرء بنفسه السوء، وفي هذا التعبير عن إخوانهم وأخواتهم في العقيدة

بأنفسهم أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء والإحساس

الصادق؛ حتى لكأن الذي يظن السوء بغيره إنما يظنه بنفسه [10]. قال الرازي:

(فجعل الله المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور؛ فإذا جرى على

أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم) [11].

فهذا الأسلوب القرآني، وهذا الخطاب الرباني يؤكد معنى وحدة الأمة،

ويُحدِث في النفس أثراً وإحساساً يبعثها على الامتثال؛ فالمسلم الذي يُربى على هذه

المعاني، وهذه الدقائق القرآنية، لا شك في أنها تؤثر فيه وتغرس في أعماقه هذا

الإحساس وهذا الشعور.

ومن تدبر هذا الأسلوب القرآني علم أنه لا قوام لهذه الأمة إلا بمثل هذا

الشعور وهذا الإحساس، وشعور كل فرد من أفرادها بأن نفسه نفس الآخرين ودمه

دمُ الآخرين، وظن السوء بهم ظنّ بنفسه، والسلام عليهم سلامٌ على نفسه، وعيبهم

عيبٌ لنفسه؛ لا فرق في المحافظة على الروح التي تجول في بدنه والدم الذي

يجري في عروقه، وبين الأرواح والأبدان التي يحيا بها إخوانه قال تعالى:] يَا

أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ [[النساء: 1] وقال: (مثل

المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو

تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [12]، وكل هذه المعاني كامنة في القرآن

والتفسير يكشفها ويجلّيها.


(1) الجامع للقرطبي (2/ 19).
(2) الجامع للقرطبي (1/ 376).
(3) الجامع للقرطبي (3/ 136).
(4) تفسير ابن كثير (1/ 524).
(5) التحرير والتنوير (18/ 376).
(6) تفسير ابن كثير (1/ 129).
(7) تفسير الرازي (6/ 118).
(8) التحرير والتنوير (18/ 303).
(9) تفسير ابن كثير (3/ 336).
(10) الجامع للقرطبي (6/ 186).
(11) تفسير الرازي (12/ 178).
(12) أخرجه مسلم، البر والصلة (2586).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير