تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذهب جمهور النحويين (1) إلى أن الواو العاطفة لمطلق الجمع (2)، فيُعطف بها الشيء على مصاحبه، كقوله تعالى: (فَأَنْجَيْناهُ وأَصْحابَ السَّفِيْنة) (3)، وعلى سابقه، نحو قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوْحاً وإبْراهِيْمَ) (4)، وعلى لاحقه، كقوله تعالى: (كذلك يُوْحِيْ إليكَ وإلى الّذينَ مِنْ قَبْلِكَ) (5)، وليس في الواو دليل على أن الأول قبل الثاني. قال سيبويه: " ولم تُلْزِمِ الواوُ الشيئين أن يكون أحدهما بعد الآخر، ألا ترى أنك إذا قلت: مررت بزيد و عمرو، لم يكن في هذا دليل أنك مررت بعمرو بعد زيد " (6). وقال أيضاً:

" وإنما جئت بالواو لتضم الآخر إلى الأول وتجمعهما، وليس فيه دليل على أن أحدهما قبل الآخر " (7).

ونُسب القول بإفادتها الترتيب إلى الكسائي (8)، وقطرب (9)، والفراء (10)، وهشام (11)، وأبي جعفر الدِّيْنَوَري (12)، وثعلب (13)، وغلامه أبي عمر الزاهد (14)، وابن درستويه (15)، والربعي (16)، والشافعي (17)، وإلى بعض أصحابه (18)، وإلى الكوفيين (19)، وإلى بعض الكوفيين (20).

والحق أن الشافعي وأئمة الكوفة، كالفراء وثعلب براء من هذا القول، فإن الفراء قال: " فأما الواو فإنك إن شئت جعلت الآخِر هو الأول، والأول الآخِر، فإذا قلت: زرت عبدالله وزيداً، فايهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة " (21)، وقال ثعلب: " إذا قلت: قام زيد وعمرو، فإن شئت كان عمرو بمعنى التقديم على زيد، وإن شئت كان بمعنى التأخير، وإن شئت كان قيامهما معاً " (22).

وأول من رأيت يذكر ما نسب إلى الشافعي الرمانيُّ (23)، فإنه لما ذكر مذهب القائلين بأن الواو للترتيب قال: " وهذا يؤيد مذهب الشافعي في أن الواو يجوز أن ترتّب " (24). ولم أرَ من نسبه إلى الشافعي نفسه إلا ابن الخباز (25).

ويقال: إن الشافعي نقله عن الفراء. وتقدم - قريباً - أن الفراء يرى رأي الجمهور. والظاهر أن القائل بهذا الرأي بعض أصحاب الشافعي. قال النووي (26): " صار علماؤنا إلى أن الواو للترتيب، وتكلّفوا نقل ذلك عن بعض أئمة العربية، واستشهدوا بأمثلة فاسدة " (27).

وقد احتج الجمهور بالسماع والقياس. أما السماع فالشواهد التالية:

الأول: قوله تعالى: (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدي وارْكَعي مَعَ الرَّاكِعِيْنَ) (28). فقدم السجود على الركوع، ولو كانت الواو مرتبة لقدم الركوع على السجود، ولم ينقل أن شرعهم كان مخالفاً لشرعنا في ذلك (29).

الثاني: قوله تعالى: (وادْخُلُوا البابَ سُجَّداً وقُولُوا حِطّة) (30)، وقال في سورة الأعراف: (وقولوا حِطّة وادخلوا البابَ سُجّداً) (31)، والقصة واحدة (32).

الثالث: قوله تعالى: (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وثَمانِيةَ أَيّامٍ حُسُوماً) (33). قال ابن أبي الربيع: " والأيام هنا قبل الليالي، إذا لو كانت الليالي قبل الأيام لكانت الأيام مساوية لليالي أو أقل " (34).

الرابع: قول الشاعر:

بَهالِيْلُ مُنْهُمْ جَعْفَرٌ وابنُ أُمِّهِ ** عَلِيٌّ ومِنْهُمْ أَحْمَدُ المُتَخَيَّرُ (35)

وأحمد هو النبي - صلى الله عليه وعلى آله سلم - الذي اختاره الله، تعالى، ولا يلزم تقديمه، لأن الواو لمطلقِ الجمع، ولو كانت الواو مرتبة لقدم أحمدَ ثم علياً ثم جعفراً، صلوات الله عليهم جميعاً (36).

ومثله قول الشاعر:

فَمِلَّتُنا أَنّنا المُسْلِمون ** عَلى دِيْنِ صِدّيْقنا والنَّبِيّْ (37)

الخامس: قول الشاعر:

أُغْلِي السِّباءَ بِكُلِّ أَرْكَنَ عاتِقٍ ** أَوْجَوْنةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتامُها (38)

قُدحت أي غُرفت، وفُضَّ ختامها: فتح رأسها، وإنما تُغرف بعد أن تُفتح.

وأما القياس فما يلي:

الأول: أن الواو في الاسمين المختلفين بإزاء التثنية في الاسمين المتفقين، فيقال: جاء الزيدان، أما إذا اختلفت الأسماء فإنه يقال: جاء زيد وعمرو، ولا تمكن التثنية، فعطفوا بالواو، فكما أنه إذا قيل: جاء الزيدان لم يكن اللفظ دالاً على تقدم أحدهما، بل كان مقتضاه اجتماعهما في الفعل فقط، فكذلك العطف بالواو إذا لم تمكن التثنية، لاختلاف الاسمين (39).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير