تفاسيرُ الشناقطة
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[01 Mar 2010, 08:08 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , وبعد:
فإنَّ منَ المُلاحَظِ في أرفُفِ مطبوعاتِ كتبِ التفسير في معارضِ الكتاب ومكتباتِ الجامعات والهيئات والأفراد خلو الجميعِ من مطبوعات تفاسير الشناقطة , وانضافَ إلى ذلك خُلو بعضِ معاجمِ المفسرين الحديثة من الإشارةِ إلى مفسري الشانقطةِ وتفاسيرهم مما رسَّخَ هذه الصورة وأكَّد هذا الظنَّ , حتى قاد ذلك إلى اعتقادِ أنَّ إسهاماتِ الشناقطةِ العلميةَ إنَّما انحصرت في بعضِ العلوم كالفقه والعربية والسيرة وغير ذلك , والحقيقةُ التي لا يعلمها البعضُ من الباحثينَ هي أنَّ للشناقطة إسهاماً كبيراً في التفسير لم يبلغ إسهاماتهم في الفقه والعربية بيد أنهُ ليس عنها ببعيد , وقبل الإشارة إلى طرفٍ من ذلك فإنَّ للقارئ الكريم أن يضعَ في ذهنه أنَّ أغلبَ هذه المجهوداتِ العلميةَ قضتْ عليها عدةُ عوامل اقتضتها طبيعةُ العيشِ والبيئةُ البدويةُ في شنقيط كالترحال الدائم والأمطار التي لا يقومُ لها حبرُ المخطوطات خصوصاً في ظل العجز وقلة إمكانيات الحفظِ والصيانة خلافاً لما عليهِ الحالُ في حواضر العالم الإسلامي الأخرى , مع الصعوباتِ البالغةِ في الحصولِ على بعضِها من ورثةِ المؤلفينَ نظراً لاختصاصهم بها لأنفسهم إضافةً إلى ما يقابلُ ذلك من تفريطٍ في الجانب الآخرِ تُعطى معهُ المخطوطاتُ لكل طالب وراغبٍ إحساناً من البعضِ ظنَّهم بكل منتسبٍ للعلمِ , وقد يُضافُ إلى ذلك الحروب الطاحنةُ التي تذهبُ فيها النفسُ قبل الطِّرس , ولا أستبعدُ أن يكونَ أيضاً لاستعمار الفرنسيين دوراً بالغاً في طمسِ هذه المعالمِ خصوصاً إذا علمنا أنَّ حجم المخطوطات التي تمت سرقتها واستيداعُها مكتباتِ فرنسا ليست باليسيرة فقد تجاوزت الألفينِ في عدِّ بعضِ العادِّين.
ولربَّما عزَّز اعتقادَ عدمِ إسهام الشناقطة في التفسيرِ ما كان ولا يزالُ قائماً في نفوسِ بعضهم وجارٍ على ألسنتهم من تحريمِ التفسيرِ فراراً من القولِ على اللهِ بغيرِ علمٍ فبالغوا في هذا الجانبِ حتى صارَ الكلامُ في التفسيرِ بأيِّ نوعٍ من أنواعه جنايةً وجرأةً عظيمةً , وفي ذلك يقولُ قائلهم:
مفسر الرأي إن تقسَم خطيئته ... تسع جميعَ الورى ولو أصاب هدى
حتى كان بعضُ أعيانِ فُقهائهم يضعُ تفسيراً مُعينا يرجعُ إليهِ عند الحاجة دون أن أن يزيد عليه أو ينقص عنهُ مخافة الخطإ , وكانَ المُجتمعُ أحياناً يُحاصرُ من يفسِّرُ القرآنَ حصاراً اجتماعياً يتمثلُ في استنباتِ العداء لهُ من أجل خوضهِ في التفسير , وأضافوا إلى ذلك أيضاً جانب الحديثِ النبوي خوفاً من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلمَ وهذه أمورٌ ذكرها بعضُ الباحثينَ مثل محمد الحافظ ابن المجتبى في كتابه "الحديث وأهله في بلاد شنقيط " وهذا المسلكُ وإن كان أغلبُ سالكيهِ من العوامِّ غير الأئمةِ العُلماءِ إلا أنَّ أثرهُ في إضعافِ الحركةِ العلمية لا يخفى.
وهُو أمرٌ غيرُ جديدٍ ولا يختصُّ بالشناقطةِ فحسبُ , بل ذكرهُ السيوطيُّ رحمه اللهُ عن بلاد التكرور عموماً , فأشار إلى أنَّ من عادةِ بعضِ فُقهاءِ هذه البلادِ تركَ القُرآنِ والسُّنة , يعني ترك الاشتغال بالتفسيرِ والحديثِ , واقتصارَ الجهودِ على مُدوَّناتِ الفقهِ ومختصراتهِ وأنظامهِ , وكلامه كما لا يخفى مرادٌ به البعضُ.
ولعلَّ هذا البُعدَ عن التفسير كانت نتيجةً طبيعيةً لغلَبةِ بعضِ الثقافاتِ وسيادتها حقبةً من الزمنِ , لكنَّ ذلك لم يَشُلَّ حركةَ التأليفِ في التفسير فقد جرى مفتى شنقيط العلاَّمة الطالب محمد بن المختار الأعمش العلوى المتوفى (1107هـ) على اسم الله وخالفَ هذ الإلفَ عند الفقهاءِ فكتبَ في التفسير وألَّفَ فيه كما قال الباحث الفرنسى أفرنك لاكونت: "ولما حاول مفتى شنقيط أن يفسر القرآن الكريم بادر أنداده من الفقهاء بالنكير عليه، وطالبوه بالتوقف عن ذلك، ودافع عن موقفه دفاعاً شديداً ", ومن المؤلفين كذلك في التفسير العلاَّمةُ محمد بن محمد سالم المجلسي صاحبُ "الريان في تفسير القرآن" وقد امتاز في تفسيره ذلك بتتبعِ الطرقِ الواهية والموضوعاتِ والمناكير التي كثُرت في كتب التفسير فبيَّنها وكان لا يُمِرُّ الأسانيد الواهية دون تمحيصٍ ولا يُقِرُّ
¥