قوارع المواعظ في آيات الطلاق (تأمّلات)
ـ[ناصر_عزيز]ــــــــ[09 Apr 2010, 10:45 م]ـ
قوارع المواعظ في آيات الطلاق (تأمّلات)
يعقوب بن مطر العتيبي
قال أحدهم ذات يومٍ متعجّباً: فلانٌ إمامُنا يبكي عند كلّ آية!! فقلت: ربّما وجد من عظيم التدبّر ما رقّ له قلبُهُ وهَمَلَت منه عيناه، وإن كانت آيات الوعد والوعيد هي مظنّة البكاء ورقّة القلب إلا أنّ في آيات الأحكام الشرعية المتضمّنة لصلاح أحوال الأسرة والمجتمع ما يفسّر وصف القرآن بأنه (موعظة) و (يهدي للتي هي أقوَمُ)، ولك أن تتأمّل بعض آيات (الطلاق) على سبيل المثال ..
نعم .. (آيات الطلاق) التي ربّما ظنّ بعض الناس أنها بمنأى عن الوعظ والتذكير الذي هو مظنّة الخشوع وما يتبعه من بكاءٍ ووجل قلب، فإذا هي متضمّنة من فواصل الوعظ وقوارع التذكير ما تلين له الأفئدة.
والآن .. دونك هذه الآيات:
ـ \"الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ? فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ? وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ? فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ? تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ? وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) \" [/ color] تأمّل كيف كانت بداية الآية الكريمة حكما شرعيا يتعلق بالطلاق والعدد الذي تحصل به الرجعة، وهو حكم فقهي، ولذا فهذه الآية مصنّفة ضمن آيات الأحكام، لكن كانت خاتمتها وعظاً زاجراً لمن يتساهل في هذا الحكم فيحمله عدم خوفه من الله تعالى إلى أن يقع في الظلم الذي حرّمه الله تعالى على نفسه وجعله بين عباده محرّما.
ـ وآيةٌ أخرى: \" وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ? وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ? وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ?لِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ? وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ? وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ? وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) \"
لقد تضمّنت هذه الآية الكريمة حكما شرعيا جاء في فاتحتِها وهو إرشاد المطلّق إلى الإحسان في الطلاق والزجر عن الإمساك ضراراً، أما الخاتمة فكانت ردعا وزجرا
بل جاء النصّ صريحاً \" يعِظُكُم بِهِ \"، ثم جاء التذكير بالتقوى والإشارة إلى ضرورة مراقبة الله تعالى.
ـ وآية ثالثة ـ ولا زلنا في الباب نفسِهِ (باب الطلاق) ـ: \"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ? ذَ?لِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ? ذَ?لِكُمْ أَزْكَى? لَكُمْ وَأَطْهَرُ ? وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
تأمّل كيف كان الحديث عن مشكلة العضل ـ وهي واحدة من المشكلات الاجتماعيّة التي لا تزال إلى يوم الناسِ هذا ـ جاءت الآية الكريمة في بيان النهي عن إحدى صورِ العضل، وكان شأنُها شأنَ سابقاتِها من مخاطبة المؤمنين وتذكيرهم، وقد جاء وعظاً مباشراً مصرّحاً به (يُوعَظُ).
قال أبو حيّان في \"البحر المحيط \" (2/ 221): (وذكر الإيمان بالله لأنه تعالى هو المكلف لعباده، الناهي لهم، والآمر. و: اليوم الآخر، لأنه هو الذي يحصل به التخويف، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي. وخص المؤمنين لأنه لا ينتفع بالوعظ إلاَّ المؤمن، إذ نور الإيمان يرشده إلى القبول)
ـ وآيةٌ رابعة: \" وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ? لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ? \" قال الله تعالى في خاتمتها: \" وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) \"
¥