[أصل المشكلة الاقتصادية بين رؤيتين: رؤية القرآن ورؤية الإنسان]
ـ[الخطيب]ــــــــ[26 May 2010, 12:07 ص]ـ
أصل المشكلة الاقتصادية بين رؤيتين:
رؤية القرآن ورؤية الإنسان
أ. د. أحمد سعد الخطيب
[يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 26وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا 27 يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا 28]
سورة النساء: 26 - 28
من هنا يكون البدء:
يريد الله ليبين لكم ما ينفعكم بعيداً عن فلسفات أُنشئت لتخدم أهلها لا لتخدمكم ولتنفع أهلها لا لتنفعكم، وقد أثبت التاريخ والواقع أن منفعتها لأقوامها لم تكن مطلقة بل كانت ناقصة؛ فكيف تنشدون أنتم فيها منهاجاً بديلاً عن منهاج ربكم؟
إن العقل المسلم أصبح أسير الواقع فلم يشأ أن يفكر لنفسه ما ينفعه ومجتمعه، مستمداً مصالحه من ثقافته وبيئته؛ ثقافة الكتاب والسنة وبيئة الإسلام والعروبة، ولم تعد الثقة متوفرة لدى العقل المسلم في إنشاء واقع يناسبه فراح يختار من المستورد ما تمده به الأيام.
ولقد أطلت الأزمة المالية العالمية برأسها، وألقت بظلالها لتؤكد فشل الرأسمالية التي راهنت عليها الليبرالية لتعيد إلى الذاكرة ما حلَّ بمنافستها وضرَّتها الاشتراكية التي عشنا منذ سنوات حفل تأبينها والنواح على قبرها.
كل هذا والعقل المسلم لا ينفك عن خياريه:
- إما رأسمالية تبلع كل شيء، وتتنازل عن كل خُلق في سبيل الاستثمار، ودفع عجلة الإنتاج، مستغلة حاجيات الناس بمعاملات ربوية؛ سواء كانت في عملية تجميع رأس المال من أصحابه عبر بنوكها، أو في عملية توزيعه على المستثمرين، وكان من آثار هذا كله تكريس البطالة، وزرع الأنانية، والإغراق في الحروب لسلب مقدرات الشعوب، ناهيكم عن الفتن والإيقاع بين الشعوب، ليعيش الرأسماليون على حساب هذا كله تحت شعار «من لم يقتله الفقر، فلتقتله الحرب، ومن لم ينشغل بالهوى، فلينشغل بالخلاف» {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً}
[النساء: 72].
تلك هي ملحمة الرأسمالية المتشحة بوشاح الطمع فيما ينعم الله - عز وجل - به على عباده في بقاع الأرض، والرغبة في امتلاكه بكل الوسائل زاعمة أنه حق لها وحدها.
- وإما اشتراكية تأكل حقوق الناس وتسلب مقدراتهم وتزيل كل الفوارق؛ لا للمصلحة العامة كما يعلن أتباعها ولكن ليستوي عامة المجتمع في الفقر والعوَز، ثم الحاجة إلى النخبة الاشتراكيين صنَّاع القرار ليمنّوا عليهم بما يضمن الحياة.
وإذا كانت الرأسمالية قد دأبت على قتل الفقراء لصالح الأغنياء؛ فإن الاشتراكية قد قتلت الأغنياء والفقراء معاً.
والآن يرينا الله - تعالى - بفشل الرأسمالية بعد موت الاشتراكية أنه لا يمكن لنا أن نركن إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ويمنحنا الفرصة لنعبِّر عن أنفسنا من جديد، ولنُعلن للعالم أجمع أن اقتصاد القرآن يدعم كل صاحب حق حتى يصل حقه إليه، في جوٍّ خالٍ من الحقد والكراهية، وخالٍ من الفتن والمؤامرات ومليء بالثقة في الله، وأن كل نفس لا تموت حتى تستوفي رزقها، وأن القرآن يدفع إلى الإنتاج وإعمار الأرض لا إلى تخريبها وتدميرها، وأن للفقير حقاً عند الغني يسدُّ به حاجته ولا يُفقِد الغني ثروته.
وفي هذه الدراسة إطلالة على اقتصاد القرآن الذي يطل الآن علينا بعينَيْن ثاقبتَيْن يرفل منهما حنان على أبنائه وعتاب على التغافل عنه. مع الموازنة بينه وبين الاقتصاد الوضعي المعاصر - الذي أعلن الآن فشله بأنظمته وألوانه كافة - في النظر إلى أصل المشكلة الاقتصادية التي على أساسها يكون التخطيط الاقتصادي، ومن خلالها تحدد أهدافه وغاياته.
أولاً: الموازنة من حيث المفهوم:
الاقتصاد المعاصر هو العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع من خلال إنتاج السلع وتوزيعها وتقديم الخدمات إشباعاً لحاجيات الإنسان، وعلى هذا يكون إشباع حاجات الإنسان هو هدف الاقتصاد بمفهومه المعاصر.
¥