تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان عليَّ في صباح هذا اليوم أن أغادر بيجي إلى بغداد استعداداً للسفر , كأني لم أنم طوال الليل، وفي الصباح كانت نسائم الخريف تنذر بقدوم الشتاء فتزداد نفسي انقباضاً , كان ألم الفراق وهموم الرحلة تثقل عليَّ، وبدأت نظراتي تتسمر على كل شيء، تريد لها أن تنطبع في الذاكرة، على مَن في البيت حتى على الجدران والأشجار والمباني البعيدة، والسؤال القديم يُلِحُّ عليَّ هل سأعود وألقاكم جميعاً كما تركتكم، هل سألقى هذه القلوب الحانية، ولكن هكذا هي الدنيا، أنظر إلى الوالد وأطيل النظر .. والوالدة .. والصغار .. والكبار، وما أن قاربت الساعة العاشرة صباحاً حتى سحبت حقائبي إلى باب الدار حيث كانت السيارة تنتظر لتوصلني إلى نقليات بيجي - بغداد , ولا أكاد أقدر على وصف ساعة الفراق , كنت أصافح من في البيت وكلهم من النساء في صمت، كان الأخ سفر قد خرج من الصباح إلى عمله، والأخ صالح يعمل في تكريت، والأخ سالم جندي احتياط في بغداد، والأقارب في أعمالهم، كنت أصافح من في البيت وأنا ألوذ بالصمت الموحش، ماذا سأقول كانت الكلمات تعجز عن التعبير، ولا أنس تلك القبل الحارة التي تطرزها الوالدة في عنقي كلما هممت بسفر، وفي موقف السيارات كان معي الوالد والعم مصطفى الذي عاد مع القسم الأكبر من العائلة من بغداد بعد أن انتقل ولده الأخ داود إلى الفرقة الثانية، كان هو والوالد في وداعي، ووصلت بغداد ونزلت في بيت الأخ نوفل، وفي المساء قضيت ساعات مع الأخ سالم وبعض الأقارب والأصدقاء انتظاراً ليوم غد.

السفر إلى القاهرة

الاثنين 28 تشرين الأول 1974م = 12 شوال 1394هـ

انتظرت ضحى هذا اليوم لأحمل حقائبي المثقلة بألوان الأمتعة، وغادرت بيت أولاد العم مصطفى (نوفل ومولود) بعد الساعة التاسعة والنصف صباحاً متجها إلى مطار بغداد الدولي، وبعد إتمام إجراءات السفر والكمرك جلست كما جلس المسافرون ننتظر الصعود إلى الطائرة، كان من المقرر أن تقلع الطائرة الساعة الحادية عشرة، ولكنها مرت، ومرت الثانية عشرة والواحدة وحتى الثالثة بعد الظهر، فأقلعت الطائرة بعد تأخر دام أربع ساعات قضاها المسافرون جالسين في صالة المسافرين، وكنت في هذه الساعات أعاني من آلام الرأس والرقبة والأنف من أثر الزكام آلاماً شديدة، وما هي إلا دقائق حتى كانت الطائرة تسبح فوق الغيوم التي تبدو لنا ونحن فوقها كأننا ننظر لها من سطح الأرض , ارتفاع شاهق شاهق جداً، وبعد ما يقرب من ثلاث ساعات حطت الطائرة في مطار القاهرة بسلام ورحمة من الله، وقد طال مكثنا في المطار بسبب إجراءات الأمن، بعدها انحدرتُ إلى قلب القاهرة لأجد لي مكانا في أحد الفنادق (لوكانده أنجلوسويس) ولم أجد فيها مكاناً، قلت لأذهب إلى شقتنا حيث يسكن الأخ خليل، وجدت الأخ خليل وحده في الشقة، ومكاني خال فيها، فما كان إلا أن جلبت حقائبي ونزلت كأني نازل في بيت أملكه، ولم أقلق لأمر السكن ولله الحمد، ولم أتحمل مشاق البحث وعناء التفتيش.

زيارة كلية دار العلوم

واقتراح موضوع الرسم المصحفي

الثلاثاء 29 تشرين الأول 1974م = 13 شوال 1394هـ

فجأة وجدت نفسي أمام مشكلة اختيار الموضوع بعد كل تلك الجهود التي بذلتها قبل سفري إلى العراق، وكنت وقت إقامتي في العراق أرسلت خطة بحث لموضوعين على أمل تسجيل أحدهما، وفي صباح هذا اليوم ذهبت إلى الكلية وأنا في حالة شديدة من الإعياء وكآبة المنظر بسبب ما ألم بي من زكام، وبدأت أستفسر عن مصير المواضيع التي أرسلتها، وإذا هي مرفوضة جميعاً، التقيت بالدكتور أمين علي السيد وأساتذة القسم والعميد الدكتور محمد كمال بشر , والدكتور عبد الصبور شاهين والدكتور محمد سالم الجرح المعارة خدماته إلى السودان، واليوم وغداً وبعد غد آخر أيام التسجيل، وعليَّ خلال هذا الأيام أن أحسم الأمر باختيار موضوع يمكن أن يُعْتَمَدَ في القسم والكلية قبل فوات أوان التسجيل، ووقفت موقف الحائر المنهارة قواه لا يقوى على شيء ولا ينتظر سوى رحمة الله، لو كان هناك متسع من الوقت لهان الأمر، وبدأتِ اقتراحات الأساتذة تنهال عليَّ لاختيار موضوع، وكلها تركز على دراسة لهجة من لهجات العراق إلا أني أكدت موقفي من رفض دراسة هذا الموضوع في الوقت الحاضر، وأخيراً اقترح عليَّ الدكتور عبد الصبور

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير