إذ القاعدة في الأصول: [أن الاستصحاب حجة في إثبات الأحكام].
.................................................. ................
المسألة الخامسة عشرة:
في الآية دليل على مشروعية التوبة (أي: الرجوع عن حال المعصية إلى حال الطاعة)، ومأخذ الحكم من قوله: {إن الله يحب التوابين}، والقاعدة في الأصول: [أن محبة الله للفاعل تدل على مشروعية فعله (أي: القدر المشترك بين الإيجاب والندب)]، وقد قامت الأدلة على وجوب التوبة، ومنها
1 - قوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
2 - قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}:
3 - ما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن الأغر بن يسار المزني، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ»:
وجه الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب: أنها قد تضمنت الأمر بالتوبة، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب].
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في المراد بالتوبة في هذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: أن المراد التوبة من الذنوب، قاله عطاء:
القول الثاني: أن المراد التوبة من الشرك، قاله سعيد بن جبير:
القول الثالث: أن المراد التوبة من الكبائر، قاله قتادة:
القول الرابع: أن المراد التوبة من الجماع في الحيض، قاله بعضهم:
[انظر:جامع البيان لابن جرير الطبري (3/ 743)، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (2/ 179)].
والصحيح في المسألة القول الأول؛ ووجه ذلك: أن قوله: {التوابين} لفظ عام، إذ هو جمع محلى بأل الاستغراقية، والقاعدة في الأصول: [أن الجمع المحلى بأل الاستغراقية يفيد العموم]، فيشمل كل تائب سواء كانت توبته من الشرك، أو الكبائر، أو الجماع في الحيض، أو غيرها:
قال نجم الدين الطوفي -رحمه الله- في الإشارات الإلهية (1/ 332): «{إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} عام مطرد، ويحتمل تخصيصه بمن تكررت توبته استهزاء، ولعبا، أو عن غير عزم، وبمن أكثر الطهارة إسرافا، ووسواسا، ونحو ذلك، فالظاهر أنه لا يحبهما مع دخولهما تحت عموم التوابين والمتطهرين».
.................................................. ................
المسألة السادسة عشرة:
في الآية دليل على مشروعية التطهر (الطهارة بالماء)،
ومأخذ الحكم من قوله: {ويحب المتطهرين}، والقاعدة في الأصول: [أن محبة الله للفاعل تدل على مشروعية فعله (أي: القدر المشترك بين الإيجاب والندب)]، وقد قامت الأدلة على وجوب الطهارة بالماء في بعض الصور، واستحبابها في البعض الآخر:
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في المراد بالطهارة في هذه الآية على أربعة أقوال:
القول الأول: الطهارة بالماء، قاله عطاء:
القول الثاني: الطهارة من الذنوب، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو العالية:
القول الثالث: الطهارة من الشرك، قاله الأعمش:
القول الرابع: الطهارة من أدبار النساء، روي عن مجاهد:
[انظر: جامع البيان للطبري (3/ 743)، البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (2/ 179)، تفسير ابن أبي حاتم (7/ 1883)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 220)].
والصحيح في المسألة القول الأول، ووجه ذلك: أن استعمال لفظ التطهر في طهارة الماء أغلب، وأسرع تبادرا إلى الذهن عند الإطلاق، وهذه علامة الحقيقة!، والقاعدة في الأصول: [يجب حمل الألفاظ على الحقيقة، ولا يجوز حمله على المجاز إلا بدليل]، ولا دليل!:
وقد أيد بعضهم إرادة المعنى الحقيقي بقرينة مدعاة، وهي:
تقدم ذكر طهارة الماء في الآية:
قال الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله- (3/ 744): " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: إن الله يحب التوابين من الذنوب، ويحب المتطهرين بالماء للصلاة، لأن ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه ":
قال أبو بكر الجصاص الحنفي –رحمه الله- في أحكام القرآن (2/ 39): " قال أبو بكر: المتطهرين بالماء أشبه؛ لأنه قد تقدم في الآية ذكر الطهارة، فالمراد بها الطهارة بالماء للصلاة في قوله: {فإذا تطهرن فأتوهن}، فالأظهر أن يكون قوله: {ويحب المتطهرين} مدحا لمن تطهر بالماء للصلاة، وقال تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين}، وروي أنه مدحهم لأنهم كانوا يستنجون بالماء ":
تمّ بحمد الله
.................................................. ................
كتبه:
جلال بن علي بن حمدان السلمي
–غفر الله له ولوالديه-
مكة المكرمة.