تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذكره القرطبي في تفسيره.

و قال مجاهد: خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الارض بألفي سنة، وأن قواعده لفي الارض السابعة السفلى.

وأما المسجد الاقصى فبناه سليمان عليه السلام، كما خرجه النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو.

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثة: سأل الله عزوجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عزوجل ملكا

لا ينبغي لاحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عزوجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه).

فجاء إشكال بين الحديثين (1)، لأن بين إبراهيم وسليمان آمادا طويلة.

قال أهل التواريخ: أكثر من ألف سنة.

فقيل: إن إبراهيم وسليمان عليهما السلام إنما جددا ما كان أسسه غيرهما.

وقد روي أن أول من بنى البيت آدم عليه السلام كما تقدم.

فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت المقدس من بعده بأربعين عاما، ويجوز أن تكون الملائكة أيضا بنته بعد بنائها البيت بإذن الله، وكل محتمل.

والله أعلم.

وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أمر الله تعالى الملائكة ببناء بيت في الارض وأن يطوفوا به، وكان هذا قبل خلق آدم، ثم إن آدم بنى منه ما بنى وطاف به، ثم الانبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام.

" من الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي "

2 - و في الإسراء إلى المسجد الأقصى أيضاً زيارةٌ لذلك المسجد العتيق المبارك و عبادة، و صلاةٌ في القبلة الأولى، التي أُمِرَ المسلمون بالصلاة تجاهها – قبل تحويل القبلة إلى البيت الحرام -.

قال تعالى: [قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ] {البقرة:144}

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} إلى قوله: {فولوا وجوهكم شطره} فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب [يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وقال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} (البقرة: 115) وقال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}.

" من تفسير ابن كثير "

3 - و يُحْتَمَل أنَّ المعراج بالنبي صلى الله عليه و سلم – في تلك الزيارة - إلى السماوات العلا و إلى سدرة المنتهى، إنما كان من بيت المقدس؛ لأنه سيكون أرض المنشَر عند قيام الساعة؛ فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلاَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: «أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلاَةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلاَةٍ فِى غَيْرِهِ». قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ. قَالَ: «فَتُهْدِى لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ».

أخرجه أحمد، و ابن ماجه و اللفظ له، و الطبراني.

و في الحديث الصحيح المُتفق عليه، عن إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَى». قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».

أخرجه البخاري و مسلم في " صحيحيْهما ".

* و هذا الإسراء بخاتم الأنبياء و المرسلين – سيدنا محمدٍ صلى الله عليه و سلم – مِن أول مسجدٍ وُضِع في الأرض إلى ثاني مسجدٍ وُضِع فيها، فيه دلالةٌ ظاهرةٌ على الصلةِ الوثيقة و الارتباط الشديد بين هذيْن المسجديْن في شريعة الإسلام، الخاتمة للشرائع الإلهية إلى قيام الساعة.

و إمامة النبي صلى الله عليه و سلم في الصلاة بالأنبياء فيه، فيه دلالةٌ على إمامة و هيمنة شريعة الإسلام على كل الشرائع السابقة، و فيه إشارةٌ و بشارة بدخول ذلك المسجد المبارك في عُهدة المسلمين، و وراثتهم لذلك المكان المقدَّس، و رعايتهم له و حمايته.

و هذا الرباط بين السجديْن الحرام و الأقصى، هو رباطٌ دينيّ عَقَدي شعائري، و التفريط في أحدهما بمنزلة التفريط في الآخَر، و سقوط أحدهما بمنزلة سقوط الآخَر – لا قَدَّرَ الله – و التهاون في احتلال المسجد الأقصى مهانة لكل مسلمٍ على وجه الأرض؛ إذ لا شرف و لا كرامة لأمةٍ مُقَدساتها مُغتصبة و مُهانة.

فاللهمَّ أَعِدْ المسجد الأقصى و بلاده عَوْداً حميداً عزيزاً قريباً، و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله


الهامش:
(1) أي: الحديث المذكور آنفا و حديث " ... قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً ". الآتي بعد
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير