تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واجب في الفهم والتفسير لنصوصه بما يتلاءم وروح العصر ومقتضيات المرحلة الراهنة، التي تحاول العولمة الغربية فرض مشروعها التغريبي على العالم، في غياب المشروع القرآني المهمل من قبل أتباعه، والمتّهم من قبل أدعيائه· فالقرآن لم ينزل لوقت موقّت كما يروّج له بعض المنهزمين والمنخدعين بالحضارة الغربية المعاصرة، الذين يدّعون أن الخطاب القرآني تجاوزه الزمن، ولا يعدو أن أصبح كتاباً تاريخياً لايفيد أتباعه شيئاً في الوقت الراهن· إن هذه الفرية تكذّبها شهادة التاريخ ذاته والحضارات المتعاقبة عبر الزمن، حيث استطاع الخطاب القرآني استيعاب قضايا الشّعوب التي وجدت فيه الرّحمة والعدل والحرية· وإنه قادر اليوم أيضاً على إعادة التاريخ عندما تحين الظروف والأسباب الملائمة·

"من أبعاد القرآن وأهدافه التي أنزل لتحقيقها، صلاح العالم بجميع مكوّناته، وفي مقدّمها الإنسان، ومن ثم جاء الخطاب القرآني مصبوغاً في أسلوبه وتشريعاته بما يحقّق ذلك البعد الأعظم· وقد جاءت الرّسالات السّماوية السّابقة خاصة لأقوام ومجتمعات إقليمية، محدودة الزمان والمكان والتشريع، إلى أن جاءت الرسالة المحمدية، فأرادها الله أن تكون خاتمة الشّرائع ومهيمنة عليها فاستوعبت بذلك الزمان والمكان والإنسان، بما تضمّنته من بعد عالمي لشؤون البشرية وقضاياها في جميع المجالات المعرفية والعمرانية· وقد تجسّد ذلك البعد ميدانياً وواقعياً طوال القرون الماضية التي انتشر فيها الإسلام وعمّ ربوع الأرض شرقاً وغرباً، ولم يعجز بثرائه التّشريعي عن استيعاب قضايا الشّعوب، بل وجدت فيه الرّحمة والعدل والإنصاف والحرّية فعاشت في ظله مكرّمة عزيزة· وإنّ الغياب العالمي لحكم الإسلام وشريعته بسبب ضعف أهله والقائمين عليه، لايعني أفول شمسه ونوره، ونهاية سلطانه، بل سيعود لربوع الأرض وستنعم شعوب العالم وقارّاته مرّة أخرى بهداه، مصداقاً لقوله تعالى: (هوالذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً) الفتح: 28. إنّ الظهور لهذا الدّين آت لامحالة حسب الوعد الإلهي، وهو الذي يتلاءم مع البعد العالمي الذي دلّت عليه نصوصه وتشريعاته في القرآن الكريم· إنّ هذه الدراسة تكشف جانباً من تلك الحقيقة في هذا الوقت الذي تكالبت فيه القوى المعادية على المسلمين التي تحاول فرض نظامها العالمي عليهم، جاهلة أو متجاهلة أن هذه العولمة غريبة في أهدافها ومقاصدها عن قيم الشّعوب ومبادئها وثقافاتها، إذ تهدف إلى طمس خصوصياتها وهوياتها، وهذا ما يتنافى مع رسالة القرآن العالمية التي جاءت لتحافظ على قيم الشعوب الدينية والثقافية التي لاتتعارض مع أصوله ومبادئه· ومن ثم فإن عالمية القرآن السّمحة هي البديل لما تعانيه الشّعوب من قهر واستبداد· وفيما يلي إبراز أهم مظاهر ذلك البعد العالمي في الخطاب القرآني·

أولاً: عالمية الكتاب

مما يدلّ على البعد العالمي في الخطاب القرآني، أن الله تعالى ختم الكتب السابقة بكتاب عام لجميع الأمم والشعوب على اختلاف أجناسهم، ولغاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأن هذا الكتاب ـ القرآن ـ مهيمن على ماورثته البشرية من التعاليم السّماوية الماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: (إن هو إلا ذكر للعالمين) ص: 87، أي:>ماالقرآن إلا تذكير لجميع الناس ينتفعون به في صلاح اعتقادهم وطاعة الله ربهم، وتهذيب أخلاقهم، وآداب بعضهم مع بعض، والمحافظة على حقوقهم، ودوام انتظام جماعتهم، وكيف يعاملون غيرهم من الأمم الذين لم يتبعوه< (1) · وقد وصف الله القرآن بعدّة أوصاف تدلّ على بعده العالمي في الهداية والإصلاح، وأنه أفضل الكتب صلاحاً وإصلاحاً، وأكملها لكل الأمم ولجميع الأزمنة، كوصفه بالكريم في قوله: (إنه لقرآن كريم) الواقعة: 77، فالآية فيها إشارة إلى: >تفضيل القرآن على أفراد نوعه من الكتب الإلهية، مثل: التوراة، والإنجيل، والزبور، وفضله عليها بأنه فاقها في استيفاء أغراض الدين وأحوال المعاش والمعاد وإثبات المعتقدات بدلائل التكوين والإبلاغ في دحض الباطل دحضاً لم يشتمل على مثله كتاب سابق، وبخاصة الاعتقاد، وفي وضوح معانيه وفي كثرة دلالته مع قلة ألفاظه، وفي فصاحته، وفي حسن آياته، وحسن مواقعها في السّمع، وذلك من آثار ما أراد الله من عموم الهداية والصّلاحية لكلّ أمة، ولكلّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير