إن لفظ الوجود، ومعناه المطلق، يشترك فيهما كل من الممكن والواجب، والحادث والقديم الأزلي. فالله يُوصف بأنه موجود، والحادث يُقال له- أيضًا-: إنه موجود، ولكن للممكن وجود يخصّه، فإنه حادث سبق وجوده عدم، ويلحقه الفناء، وهو في حاجة دائمة ابتداءً، ودوامًا، إلى من يكسبه، ويعطيه الوجود، بل يحفظه عليه. ولله- تعالى- وجود يخصّه، فهو- سبحانه- واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم، ولا يلحقه فناء، ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره.
وذلك لأنه- تعالى- الغني عن كل ما سواه، وبذلك جاء السمع، وشهد العقل. أما السمع: فمنه قوله- تعالى-: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [سورة الحديد الآية: 3].
وأما العقل: فبيانه أنه- تعالى- لو كان مستحيل الوجود لم يصح أن يستند إليه الممكن في حدوثه بداهة؛ لأن المستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده، وفاقد الشيء لا يُعطيه."
ثم يقول سيد رحمه الله تعالى:
". . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته. وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده. وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية."
وكلام سيد رحمه تعالى هنا يشرح بعضه بعضا ويوضح بعضه بعضا، فهو يقول إن حقيقة الله ووجوده ليست كحقيقة غيره ولا كوجود غيره، فهو لم ينف الوجود عن غير الله ولم ينف الحقيقة عن غير الله، وإنما يقول حقيقة الله ووجوده واجب، وحقيقة ووجود غيره ممكن، وفرق بين واجب الوجود وممكن الوجود.
ثم يقول رحمه الله تعالى:
"وهي من ثم أحدية الفاعلية. فليس سواه فاعلاً لشيء، أو فاعلاً في شيء، في هذا أصلاً. وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضاً. ."
وهنا نقول كما قلنا سابقا وهو أن سيدا يقول: كما أن الله تعالى متفرد في ذاته فهو كذلك متفرد في أفعاله ومن دلائل تفرده في الفعل أن لا أحد غيره يستقل بالفعل، وأن فاعلية المخلوقين تابعة لفاعليته، فأفعالهم خاضعة لإرادته تبارك وتعالى.
وهذا الذي قاله سيد رحمه الله تعالى هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة.
ومن ثم يخلص سيد إلى أن استقرار هذه العقيدة في النفس فإن القلب يتعلق بالله وحده دون سواه فيقول:
"فإذا استقر هذا التفسير، ووضح هذا التصور، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة، ومن كل تعلق بغير هذه الذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية."
ثم يستطرد رحمه الله تعالى فيقول:
"خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلاً! فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي. ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعلية الإرادة الإلهية. فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته! "
وكلامه هذا تأكيد لكلامه السابق فهو لا ينكر وجود غير وجود الله وإنما كما هو واضح من كلامه أن التعلق بالله يجعل الإنسان غير مكترث ولا مهتم لوجود من سوى الله تبارك تعالى، وهذا نستطيع أن نفهمه من خلال قول سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام حين عرف الإحسان بقوله:
" تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"
فقل لي بربك من يعبد الله كأنه يراه أتراه سيشغله شيء غير الله، أتراه سينشغل بوجد غير وجود الله؟
ثم يستطرد سيد رحمه الله تعالى ليصل بنا إلى مرتبة الإحسان التي رغبنا في الوصول إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول رحمه الله:
"وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة. . فعندئذ يتحرر من جميع القيود، وينطلق من كل الاوهاق. يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة. وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئاً متى وجد الله؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله؟ "
فهو لا ينكر الموجودات والحقائق التي لا تماثل حقيقته الله ووجوده، ولو كان ينكرها لما دعا إلى التحرر من قيودها، ويؤكد إرادة هذا المعنى كلامه التالي حيث يقول:
"ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه. ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله. لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله."
وهذا هو معنى قول الشاعر:
وفى كل شئٍ له آيةٌ **** تدل على أنه الواحدُ
ومعنى قول الشاعر الذي صدقه النبي صلى الله عليه وسلم:
" أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ"
وهو معنى قول الله تعالى:
"يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ" سورة النور (25)
فبالله عليكم أيها المنصفون المريدون للحق أين كلام سيد رحمه من كلام أصحاب العقيدة الفاسدة وحدة الوجود؟
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
كتبه أبو سعد الغامدي
الثلاثاء: 27/ 5/1431 هـ
¥