تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يبدو ذلك واضحاً من الآية نفسها، فهذه الأمة، أنفع الأمم للناس، والناس، قد يضمون المؤمن والكافر، وإذا فهمنا جواز أو وجوب حض المؤمنين على الطاعات وترك المنكرات، فهل يستقيم دعوة غير المؤمنين لذلك، مع أنهم لا نقف وإياهم على أرضية مشتركة، يمكن بها فعل ذلك، فهل يستقيم حض الملحد مثلاً على الصلاة، وهو لا يؤمن أساساً برب العالمين.

لنعد مرة أخرى ونتأكد من معنى المعروف، فالقاموس المحيط يقول أن "المعروف هو اسم لكلِّ فِعلٍ يُعرَفُ حُسْنُه بالعقل أو الشَّرْع، وهو ضد المنكر"، وهذا تعريف شامل لما نريده، فالمعروف ما تعارف الناس عليه عقلاً أنه جيد، وما أقره الشرع أنه جيد، وبالتالي لا تجد أمة من أمم الأرض، لا تحض في أدبياتها على الصدق، والأمانة، والإلتزام، والحرص على الوقت، كما لا تجد أمة منها، لا تنهى عن الكذب، والغش والخداع، فهذا هو المعنى الذي يقوم به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع من لا يؤمن بالله.

أما مع الذين يؤمنون بالله، فلا يقتصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حدود الأوامر الدينية، كما نفهمه في حدودنا الضيقة، بل يتعداه ليصل به حدوداً لا يمكن إهمالها أو حصرها.

قد يقول قائل: لكن حتى حث الملحد على الإيمان، يدخل من باب المعروف وصناعته والأمر به، وهذا لا شك فيه بالنسبة لنا كمسلمين، لكن غالباً لا يراه الملحد معروفاً، ومن هنا أؤكد أن المعنى يصب بشكل أكبر في ماتعارف الناس على حسنه كالصدق والأمانة، بغض النظر عن مدة إيمانهم برب العزة عز وجل.

إنني أرى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الصيغة الإسلامية للحوار الداخلي للمجتمع، هو الطريقة التي تتم بها تصحيح الأخطاء، سواء شرعية، أم عرفية، هو الصيغة التي تكفل تساوي الجميع أمام القانون، إنها حوار يستطيع فيه أي شخص أن يقول رأيه، ويجب على البقية الإستماع والتنفيذ، بكل رضا، طالما أن الرأي استند على قاعدة المعروف والمنكر، ولم يستند على قاعدة أخرى، تدخل فيها إعتبارات القوة، سواء كانت قوة معنوية متمثلة بالصلة من المتنفذين بالمجتمع، أم بقوة مادية مدعومة بوفرة من المال.

إنها الصيغة المنشودة والمعبر عنها، في كل مكان في هذا العالم، حتى في أعرق برلمانات الأمم، فالمعروف ما تعارف الناس على حسنه.

غير أن شيئاً ما ينقصنا في هذه المعادلة، فقد يتعارف الناس على شيء سيء، كما تعارف قوم لوط على الفاحشة، وكما يتعارف مدمنو المخدرات على حقن بعضهم البعض بها، فمايفعلونه معروف بالنسبة لهم، وقد يصل الإنحراف ليصيب المجتمع بأكمله، كما في قصة قوم لوط، وكما في قصة أهل مدين، عندما تعارفوا على بخس الوزن.

فمالذي يحدد المعروف من غير المعروف، هنا يكمن سر قوله تعالى (وتؤمنون بالله)، إنه الإيمان به سبحانه، والإحتكام لمنهج يسمو على طمع البشر وأهوائهم، منهج لا يتغير بتغير الزمان والمكان، منهج لا يرتبط بتطور وتقدم، ولا بتخلف وتأخر، لا يحيد ولا يتبدل، موصول بالسماء.

ومن هنا نقول أن الأخلاق، وبرغم وجودها في الفطرة الإنسانية منذ خلق الله آدم، تبقى بحاجة للإتصال بشيء ثابت، مرجعية واضحة، تعود إليها، وتنضبط بمعاييرها.

وكما نرى أيها الإخوة، فإن معنى الآية مختلف تماماً عن ما اعتدنا سماعه، بل هو معنى كبير وعميق، يعود بالنفع على كل البشرية، فالحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وجعل خيريتها متعلقة بمقدار نفعها للناس، وصلى الله وسلم على معلم الناس الخير، والله أعلم

ملاحظة ختامية:

غني عن القول، أن بعض أفكار المقال مستقاة من سلسلة محاضرات لأحد الدعاة من اليمن.

ـ[أحمد قطشة]ــــــــ[27 May 2010, 02:14 م]ـ

نعم يُدعون إلى أم الطاعات وأساسها: الإيمان بالله تعالى وتوحيده في العبادة

ولا مفرّ لهم من العقوبة إن لم يفعلوا ..

جزاك الله خيراً على تعقيبك، لكنك أجبت على سؤال آخر، غير السؤال الذي قلته أنا، فأنا لم أنكر أو أدعو لعدم دعوته للإيمان، لكن قلت لا يستقيم أن أدعوه للصلاة وهو لا يؤمن.

لعل في هذا توضيحاً بارك الله فيكم

ـ[أحمد قطشة]ــــــــ[27 May 2010, 02:27 م]ـ

يتخلل هذه الرؤية ما يسمّى بضغوط المادّية والتي تفشت بوسائل العصر الحديثة والمختلفة

فكيف يدعى إلى أدبيات الصدق والأمانة و و .. مع البشر

ولا يدعى إليها مع خالق البشر سبحانه

فالصدق مع الله وأداء ما أمر به والدعوة إلى ذلك هو أعظم النفع للبشرية

وما دونه فإلى فناء

أرجو أن تلاحظ أخي أبا تيماء مايلي:

أنا لا أقول بما لاحظته أنت من ضغوط مادية، بل أؤكد على أن قمة النفع هي الدعوة لله عز وجل، لكن هذا لا يمنع أن أكون نافعاً بما هو أقل من ذلك.

ثم لا أرى مانعاً أن أكون متمسكاً بديني ونافعاً للبشرية في نفس الوقت، فإن رفضت البشرية دعوتي للإيمان بالله، فلعلها تقبلها إذا مارأت أنني أدعو إلى مكارم الأخلاق، التي تممها عليه الصلاة والسلام.

مع ملاحظة أن البشرية لا تشمل الذين يقاتلونني في ديني وفي أرضي، ومن يعاونهم.

والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير