تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ابتسم والدي الطيب، ودعا لي بالفلاح والنجاح في مهمتي الشاقة، وشعرت بأن نجاحاتي على النت مرجعها إلى أنني هجرت الكتاب والثقافة والفكر، وتفرغت لقضايا سامية، وبدأت أستعد للخطوة القادمة وهي إنشاء منتدى أتحكم في أعضائه كما يتحكم المستبد في رعاياه، وأطرد منهم من يُهَيّج علينا أجهزة الأمن بآراء سخيفة ومناهضة للزعيم، مهمتي العظيمة بالغة الصعوبة فهناك مئات المواقع الإسلامية والمسيحية التي يحاول أصحابها وأعضاؤها إثبات زيف الدين الآخر، فالمسيحي يظن نفسه مبعوث العناية الإلهية، وأنه سيجعل المسلمين متحضرين، وسينزع القسوة من قلوبهم، وسيثبت أن القرآن الكريم مليء بالمغالطات، والمسلم، الذي لم يقرأ حرفا واحدا في العهدين القديم والجديد، يستعد لجمع الجزية بعدما يسيطر الإسلام على كل شبر في الدنيا، وسيرغم الكفار على أن يأتوا إليه صاغرين!

معارك دون كيشوتية، يستخدم فيها أتباع الدينين الكبيرين كل الأسلحة والضرب تحت الحزام والاستعانة بأساطير تاريخية ليستلقي بعدها كل مسلم أو مسيحي على فراشه، ويتخيل العالم كله قد اعتنق دينه وذلك بفضل مكوثه أمام الكمبيوتر معظم ساعات الليل والنهار!

قال لي صديق مسلم بأنه لم يلمس الأناجيل أو حتى يراها، ولكنه يوصل الليل بالنهار ليدحضها، ويثبت خرافة المسيحية!

وأعرف مسيحيا انضم إلى جمعية دينية في الخارج، وأصبحت مهمته البحث في عجائب الكتب الصفراء عما يسيء للإسلام، ويعيد نشرها مهللا لعبقرية اكتشافاته، ويقسم باسم العذراء أن المليار ونصف المليار مسلم أصبحوا على مرمى حجر من اعتناق المسيحية.

نحن فرسان المبارزات الدينية على الشبكة العنكبوتية لا نحتاج لأدنى قدر من المعرفة والقراءة والبحوث والاعتكاف لدراسة تاريخ الأديان، فالساحة أمامنا تدعونا، مسلمين ومسيحيين، للقتال، فالله لا يريد أديانا مختلفة، وإنما يريد منا أن نتذابح حتى تقضي فئة على أخرى وتتفتح لها أبواب الجنة!

كم هو رائع ذلك الإحساس بتورم المعرفة في الدماغ بعيدًا عن كآبة الكتب، وسخافة المثقفين، وملل الأدباء، وثقل دم الموسوعات!

في كل يوم أحصي مشاركاتي فأجدها بالعشرات على الرغم من أنني لم أنشر مقالا واحدا من إعمال فكري، وأكثر مشاركاتي لا تتعدي ثلاث جُمَل في سطرين يتيمين، فنحن مولعون بكاونتر المشاركات، بل إن بعضنا إذا نقل برنامجا أو مقالا أو موضوعا من مكان آخر، ثم وضعه في منتدانا، يشترط تعقيب المشاهد قبل القراءة، وأن يُقدم الشكر الجزيل حتى يتمكن من المشاهدة.

أعرف كثيرا من الأصدقاء يعملون مع جهات أمنية، ويدخلون المواقع لتخريب الموضوعات أو إثارة البلبلة حول بعضها أو تحويل الأنظار إلى ناحية أخرى أو التشكيك في توجّهات الكاتب، وفي هذه الحالة نحن نأمن على أنفسنا حتى لو اعتقلت أجهزة الأمن كل أعضاء المنتدى.

منذ عدة أيام قابلت زميلا في الدراسة لم أكن رأيته لخمس سنوات، وتجاذبنا أطراف الحديث، ولكنني شعرت بالملل القاتل من تفاهة حديثه، فهو يقول بأن نقل الموضوعات من النت دون استئذان صاحبها سرقة، وأن الكتاب لا يزال سيد المعرفة، وأن التشات والألعاب والفوازير والساعات الطويلة أمام الماسينجر ومقارنة الأديان والبحث عن أخطاء الآخرين كلها اهدار للوقت وضياع للعُمر، ثم قال لي بأنه يرى الآخر مثله تماما حتى لو كان مخالفا في العقيدة والمذهب والطائفة والدين، وختم حديثه المتخلف بالقول بأنه يتساوى لديه المسجد والكنيسة، وأن الله قريب من المؤمنين هنا و .. هناك!

تركته دون تحية، فهؤلاء المتسامحون ضعاف بعلومهم، ونحن أقوياء بجهلنا! لقد صنعوا الإنترنت، ونحن قمنا باحتلاله.

إن أكثرهم عِلمًا يتذلل لأكثرنا جهلا، وإذا تم طرده من منتدى للأغبياء، عاد باسم مستعار جديد، ووضع مشاركاته، لينتظر موافقة المشرف العام!

أحد أصدقائي أنشأ واحدًا من أهم المنتديات على النت، واستقطب عددًا هائلا من الأعضاء والزوار، ولديه سمك لبن تمر هندي من كل شيء، أغاني، فيديو، تحميل برامج مجانية، تأسيس مواقع، حوارات ساخنة .. الخ هذا الصديق، الذي أعرفه جيدًا، يقرأ بصعوبة بالغة، ويكتب جملة واحدة بَشقّ الأنفس، ولم يقترب من كتاب قَطّْ، فبينه وبين الكتب خصومة شديدة، ومع ذلك فيتحكم بأميّته في موضوعات نشرَتها لديه نخبة من المثقفين والمفكرين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير