عين جودي بعبرة ونحيب لا تملي على الإمام النجيب
فجعتني المنون بالفارس المعـ لم يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا قد سقته المنون كاس سعوب
منع الرقاد فعاد عيني عود مما تضمن قلبي المعمود
يا ليلة حبست علي نجومها فسهرتها والشامتون هجود
قد كان يسهرني حذارك مرة فاليوم حق لعيني التسهيد
أبكي "امير المؤمنين" ودونه للزائرين صفائح وصعيد
من لنفس عادها أحزانها ولعين شفها طول السهد
جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد
فيه تفجيع لمولى غارم لم يدعه الله يمشي بسبد
وهكذا انطوت على نفسها ولم تخرج من بيتها إلا للذهاب إلى المسجد لتصلي وتتعبد. كان فراق عمر يسبب لها الأرق، فكم من الليالي مرت عليها والنوم لا يعرف طريقه إلى عينيها وان غفوت ما تلبث إلا أن تهب من نومها أثر حلم مخيف فتجلس وتبكي وترثي عمر.
وعندما انقضت أيام عدتها جاءها الزبير بن العوام، حواري رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وابن عمته، جاءها خاطبا، فلم تقبل إلا بعد إلحاح، فهي كانت تتمنى ألا تتزوج. وهكذا تزوجت من الزبير بن العوام وهو رجل شديد الغيرة،فكان غيورا عليها إلى أبعد الحدود وفي يوم من الأيام قال لها: يا عاتكة لا تخرجي إلى المسجد .... وكانت هي امرأة عجوز.
فقالت له: يا ابن العوام أتريد أن ادع لغيرتك مصلى صليت فيه مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر؟
قال: لا أمنعك ... ولكنه كان يخطط لشيء ما. فلما صار وقت صلاة الصبح،توضاء وخرج ليكمن لها في سقيفة بني ساعدة، فلما مرت ضرب بيده على جسدها وهرب.
نظرت عاتكة حولها فلم تجد أحدا، فقالت: مالك؟ قطع الله يدك. ثم رجعت إلى بيتها. فلما رجع الزبير من المسجد سألها لما لم يرها في المسجد، فقالت: يرحمك الله يا أبا عبد الله فسد الناس بعدك، الصلاة اليوم في القيطون افضل منها في البيت، وفي البيت افضل منها في الحجرة. وهكذا لم تخرج بعد ذلك اليوم إلى الصلاة في مسجد.
وها هو زوجها الثالث يقتل بوادي السباع عندما رجع عن الركب الذي ذهب لقتال علي رضي الله عنه، بعدما اقتنع أنه لا يمكن أن يستمر في معاداة هذا الرجل، فاغتاله عمرو بن الجرموز في الطريق، فرثته كما رثت أزواجها السابقين.
ومما قالت في رثائه: غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقا و كان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشاًرعش اللسان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت لمسلماُ حلت عليك عقوبة المستشهد
إن الزبير لذو بلاء صادق سمح سجيته كريم المشهد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع القرود
فاذهب فما ظفرت يداك بملة فيمن مضى ممن يروح ويغتدي [1]
ومما يبين إخلاصها لزوجها بعد وفاته، هو عندما أرسل إليها ابن الزبير، عبد الله يحاكيها في إرثها، لم تبد أي طمع في ماله على الرغم من ثراء الزبير ُ، وإنما رضيت بما أعطوها من الإرث، وهو كما يقال ثمانين ألف درهم.
بعد انقضاء عدتها من الزبير، جاءها علي بن أبي طالب-كرم الله وجهه- خاطباً فقالت له: إني لأضن بك يا ابن عم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن القتل، فأخذ برأيها ورجع عن خطبتها وكان يردد بعد ذلك: من أحب الشهادة الحاضرة فليتزوج عاتكة.
ثم تزوجها الحسين بن علي بن أبي طالب، فكانت رفيقة جهاده وجلاده، فارتحلت معه الى الكوفة، وصبرت معه يوم كربلاء. فكانت أول من رفع خده من التراب، ولعنت قاتله، والراضي به، والشاهد له دون اعتراض. وقالت باكية وهي ترثيه:
وحسيناً، فلا نسيت حسينا أقصدته أسنة الأعداء
غادروه بكربلاء صريعاً جادت المزن في ذرى كربلاء
وكان آخر مطاف في حياتها الزوجية هي شهادة الإمام الحسين –رضي الله عنه- فتأيمت بعده. ويقال إن مروان خطبها بعد شهادة الحسين، فرفضته وقالت: ما كنت لاتخذ حمأً بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وكان وفاتها سنة أربعين للهجرة.
ـ[أحمد صالح أحمد غازي]ــــــــ[22 Jul 2010, 08:34 م]ـ
أحسنت أحسن الله إليك
ـ[إشراقة جيلي محمد]ــــــــ[31 Jul 2010, 01:59 ص]ـ
السلام عليكم وررحمة الله وبركاته.
ميسون البحدلية
هي ميسون بنت بحدل الكلبية النجدية، تزوجها معاوية ابن أبي سفيان
، وكانت ذات جمال باهر وحسن عامر، أعجب بها معاوية رضي الله عنه، وهيأ لها قصراً مشرفاً على الغوطة بدمشق زينه بأنواع الزخارف ووضع فيه من أواني الذهب والفضة ما لا يضاهيه، ونقل إليه من الديباج الرومي الملون
والمواشي ما هو لائق به. ثم أسكنها مع وصائف لها كأمثال الحور العين، فلبست يوماً أفخر ثيابها وتزينت وتطيبت بما أعد لها من الحلي والجواهر الذي لا يوجد مثله، ثم جلست في روشنها وحولها الوصائف فنظرت إلي الغوطة وأشجارها وسمعت تجاوب الطير في أوكارها، وشمت نسيم الأزهار، وروائح الرياحين والنوار فتذكرت نجداً وحنت إلي أترابها وأناسها، وتذكرت مسقط رأسها، فبكت وتنهدت، فقالت لها إحدى حظاياها ما يبكيك وأنت في ملك يضاهي ملك بلقيس،
فتنفست الصعداء ثم قالت شعراً:-
لبيت تخفق الأرياح فيه أحب إلي من قصرمنيف
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف
وأكل كسيرة من كسر بيتي أحب إلي من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فج أحب إلي من نقر الدفوف
وكلب ينبح الطراق دوني أحب إلي من قط أليف
وخرق من بني عمي نحيف أحب إلي من علج عنوف
خشونة عيشي في البدو أشهى إلى نفسي من العيش الظريف
فما أبغي سوى وطني بديلاً فحسبي ذاك من وطن شريف
فلما دخل معاوية عرفته الحظية بما قالت: وقيل إنه سمعها وهي تنشد ذلك، فقال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً علوفاً. هي طالق مروها فلتأخذ جميع ما في القصر فهو لها ثم سيرها إلي أهلها بنجد، وكانت حاملاً بيزيد فولدته بالبادية وأرضعته سنتين، ثم أخذه معاوية رضي الله عنه منها بعد ذلك.