تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن العلماء يثبتون الملك ويرسخون دعائمه بالبيعة العاقدة، والمناصحة الرحيمة، والتربية النبوية، والأخذ على أيدي السفهاء وكف شرة العابثين، والتغليظ على المناوئين، وفي تاريخ الدولة القريب ما يعضد هذا القول، ويأخذ بحجزه .. فإذا وجدنا من يطعن فيهم ويسفه آراءهم وينتقص فتاويهم ويعبث بكرامتهم ويمتهن علمهم ويسخر بذواتهم؛ فلا بد أن يكون أحد ثلاثة رجال: إما رجل يريد الحق، ولكنه ضلّ الطريق بسبب تربيته الشاذّة، وطريقة تفكيره الغربية، وانفصاله النكد عن المجتمع .. وإما رجل أحمق غفل يتبع كل ناعق ليست له إرادة يرتفع بها عن وهدة العبودية، ولا يملك شجاعة ينفك بها عن قدر القطيع! وهذان الصنفان يكادان أن يكونا في عداد القارظين! وإما رجل خبيث الطوية، فاسد التصور، منهار الأخلاق، كاره للدين، عابث بالمقدسات، دسيسة تنتظر قدرها، مبغض لطريقة الحكم؛ يتخذ المبادئ الزائفة التي ينادي بها من حرية ومساواة وعدل وشفافية ووطنية وتنمية وتسامح؛ غطاء يخفي به وجهه القبيح؛ ليتمكن من إفساد قلوب الناس على علمائهم، ونغرها على حكامهم، حتى إذا تمّ لهم الأمر، وقاربت الأمور نهايتها طالبوا بالحكم الرشيد وتداول السلطة وفق ما تمليه المنظومة الغربية وحسب ما كان متفقاً عليه ... !

وإلاّ يكن ذلك فلماذا فلم يشنّوا حملاتهم على غير أهل العلم والفضل المعروفين بسلامة المعتقد وحسن الطوية والنصح للولاة ومحاربة المنكرات والوقوف في وجه البدع؟! لماذا لم يشنّوها على الطاعنين في الدين والمميعين لحقائقه والمنتقصين سياسة الدولة، المراسلين هيئات الغرب الحقوقية والمخاطبين رؤساء الدول الأجنبية ليتدخلوا في الشؤون الخاصة! وعباد القبور والمنتمين لغير البلد عقيدة وشعوراً وفكراً وأخلاقاً وسياسة، ومنتقصي الصحابة وأمهات المؤمنين؟

على أننا مع كل ما قلناه في هؤلاء لا ننزع عنهم إسلامهم، ولا نطعن في إيمانهم، وإنما نستقري ظواهر أحوالهم ونربطها بما يناسبها من الصفات، ونكل أمرهم إلى الله ..

فماذا بعد الحق إلاّ الضلال؟ يقولون بأن الدولة إنما سكتت عن هذه الهجمات الصحفية؛ لأنها تواجه ضغوطاً خارجية تفرض عليها صنع مناخ تُمارس فيه حرية الصحافة والنقد والانفتاح لكسر الجمود والصلابة ... !

ويقولون بل الدولة راضية عن هذه الحملات وهي التي تمولها، وتشدّ من عضد القائمين عليها ... فقلت: إن الدولة ليست من هذين القولين في شيء، ولكنها تحاول أن تحل قضاياها بشيء من الحنكة والدهاء تلفهما بغشاء رقيق من الحلم والرحمة .. ولابد أن تكون لها كلمة تفصل بها هذه القضية بعد أن تجاوزت حدها وبلغت عنان السماء، واتخذت العلماء هدفها، تنبله صباح مساء بالراجمات من القول، وقد بيّنّا هول الخطر وشدته، وجلينا حقيقته والباعث عليه، وإنها لحملة تشبه الحملات اليهودية على الرسل الأنبياء والصالحين (أفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)، ومن المتقرر في شريعة الإسلام أن العلماء في أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمقام الأنبياء في الأمم السابقة، لا من حيث القدر، ولكن من حيث التبليغ والإرشاد وتجديد الدين، وفي سنن أبي داود وغيره بسند صحيح من حديث أبي الدرداء قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر فيه ( .. وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) والعلماء إذا قاموا بواجبهم المناط في أعناقهم، وبلغوا دين الله، ونصحوا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم، ووقفوا في وجه الظلم، وكان لهم من علمهم قوة تدفعهم لبيان الحق والصمود في مناصرته وبذل علائق الأنفاس في سبيله فقد استوجبوا كرامة الله، واستوجبوا من الحكام وأهل المعرفة والأدب والفكر والعامة مناصرتهم والوقوف بجانبهم؛ لأنهم الأمنة التي يحفظ الله بها العباد والبلاد، وما عزت أمة إلاّ وكان للعلم والعلماء فيها تقدير وإجلال، وما انهارت دولة ولا بلغت الحضيض إلاّ كان العلماء أزرى موجود في الأرض، وأقصد بالعلماء الذين لا يعرفون أنصاف الحلول، ولا يميلون مع الريح حسب أهوائهم، ولا يرتبطون بالخارج أكثر من ارتباطهم بالداخل، ولم تكن أفكارهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير