ولو ذبابا , فأمسك بذباب وقدمه قربانا لهذا الصنم فدخل النار , وقالوا للآخر قدم قربانا لهذا الصنم , قال لا أجد قربانا ولا أقدم قربانا له , قالوا لماذا؟ قال والله لا أقدم قربانا لأحد من دون الله , فقتلوه فدخل الجنة.
هذه هي الذبابة في تعريف وجيز وسريع , ونعود إلى سؤالنا لماذا خلق الله الذباب؟
هذا السؤال طرح من قبل على أكثر من رجل , فطرح على الإمام جعفر وعلى الإمام الشافعي وعلى مقاتل ابن سليمان.
فالإمام الشافعي كان يجلس في مجلس المأمون , فجاءته ذبابة ووقعت على وجهه وأخذت تضايقه , فنظر المأمون إلى الشافعي وقال له يا شافعي لماذا خلق الله الذباب؟ فقال له الإمام الشافعي ليذل به الملوك.
فضحك المأمون وقال يا شافعي رأيت الذباب وقد وقع علي فأجبتني , قال يا أمير لما سألتني ما كان عندي إجابة إلا حينما وقع الذباب على موضع منك لا يناله منك أحد-فلا يستطيع أحد من الرعية أن يضع أصبعه مثلا في وجه الأمير أو في عينيه أو أن يصفعه على خده أو على قفاه ومع هذا تأتي هذه الذبابة مع حقارتها وضآلتها تقع على عينيه فتجعله يغمضها , وتقع على وجهه وكأنها تصفعه وهو عاجز عن منعها وهو الخليفة الأمير-فألهمني الله فيه الرد , فقال يا شافعي لله درك.
هذه إجابة أجاب بها الشافعي , وأجاب بها الإمام جعفر , وأجاب بها مقاتل ابن سليمان.
ولذا جاء ذكر الذباب في القرآن الكريم في موضع ينبغي أن نفهمه جيدا , ليجلي لنا هذه الإجابة التي أجاب بها الشافعي وغيره.
الله سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعا فيقول عز من قائل " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له , إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له , وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه , ضعف الطالب والمطلوب " الحج
وإذا أردنا أن نقف مع هذه الآية لضممنا إلى قول الشافعي وغيره قولا آخر , إن الله سبحانه وتعالى ضرب بالذبابة مثلا-ووالله لو لم يخلق الله الذبابة إلا ليضرب بها هذا المثل لكان هذا كافيا في أن يخلقها الله.
الله خلقها ليذل بها الملوك والجبابرة , وخلقها ليتحدى بها , هي أضعف خلقه , ومع هذا فدعاة الكبر والغطرسة , يجلس أحدهم فيقول أنا أفعل وأفعل , والأمم والملوك الذين يصنعون الأعاجيب , وأمريكا التي صعدت إلى القمر والتي بنت ناطحات السحاب , أمريكا التي تصنع الغواصات والطائرات والسيارات الفارهة , لو عرضنا على أمريكا بما لديها من تكنولوجيا وعلم وعلماء وإمكانات , وأرسلنا إليها ذبابة وقلنا لهم اصنعوا مثلها هل يستطيعون؟ كلا والله.
والذي يجلس ويقول أنا أفعل وأفعل وأفعل , ذبابة صغيرة قادرة على أن تجعله يلقى حتفه , ففي تاريخ الملوك والأمم إن ملكا وقد كان جبارا , كان السبب في هلاكه ذبابة أصابته بالحمى فلقي حتفه.
وما النمرود في زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام عنا ببعيد فقد أهلكه الله ببعوضة.
خلق الله الذباب حتى يعرف الإنسان قدره , وحتى يعرف حده.
حتى تعرف أنك بقوتك وبجبروتك , بطولك وعرضك , بمالك وبحسبك وبنسبك قد تقوم بإذلالك ذبابة , فلمَ التكبر؟
كما قالت السيدة عائشة رض11 وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين , "مالابن آدم والفخر , وتنتنه عرقة , وتقلقه بقة , وتميته شرقة "
كذلك تأتيك ذبابة تضيع منك النوم وتجعلك لا تهنأ بغمضة عين , أيضا تأتيك ذبابة تحمل إليك المرض الذي يجعلك تلقى حتفك , ولا ينفع معك دواء بأي حال من الأحوال.
ومهما فعل الإنسان فلن يستطيع أن يخلق مثلها , لأن الروح لا يعرف كنهها ولا سرها إلا الله عز وجل , ولذلك فقد ضرب مثلا للمغفلين الحمقى الذين كانوا لا يفهمون وكانوا يعبدون الحجارة والخشب من دون الله رب العالمين , ويعتقدون أنها تنفع وتضر , ويذهبون إليها يتلمسون منها النفع , ويتلمسون منها دفع الضر , وسبحان الله أراد الله أن يضرب لهم مثلا بهذه الآية الكريمة ف"لن" تفيد التأبيد أي أبدا لايستطيعوا ولو اجتمعت الدنيا كلها على ذلك.
¥