لقلة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته على وجه يحصل مقصوده بالإفادة ويتضمن الحسنى التي أشار إليها وزيادة، وهي: أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به، بألخص عبارة وأخلص إشارة بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته، ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه)) (التقريب: 1/ 23 – 24، طبعة مصطفى)
وهذا ملخص جيد عن المنهج الذي سار عليه الحافظ ابن حجر في كتابه " التقريب ". ثم إن كتاب تقريب التهذيب هو خلاصة جهود الحافظ ابن حجر في علم الجرح والتعديل، وآخر اجتهاداته، وقد فرغ من تأليفه عام (827 هـ) فظلَّ يحرر فيه، وينقح فيه، ويضيف إليه وينقص حتى عام (850 هـ) أي قبيل وفاته بعامين، قال الشيخ الفاضل محمد عوامة: ((إذا كان الحافظ – رحمه الله – قد أنهى شرحه " فتح الباري " عام (842 هـ)، فإنه ظلَّ يشتغل ويصقل كتابه " التقريب " ويعمل يده فيه إلى عام (850 هـ)، كما هو واضح من تواريخ الإلحاقات، والإضافات على النسخة التي بين يدي، وقد أرخ عشرين إلحاقاً منها مؤرخة سنة (848 هـ) وإحالة واحدة مؤرخة سنة (850 هـ)، ثم قال: ((فلا مجال لاحتمال زيادة إطلاع الحافظ على زيادة في الجرح والتعديل، أهمل خلاصتها فلم يلحقها في " التقريب " خلال هذه السنوات الطويلة من عام (827 – 850 هـ) وعلى احتمال إطلاعه على أشياء جديدة، فإنها أقوال لا تغيِّر من أحكامه)) (مقدمته للتقريب: 36)
المطلب الأول: الطبقات عند الحافظ ابن حجر.
سبق أن قلنا أن الحافظ ابن حجر عرَّفَ بعصر كل راوٍ، إذ قسم الرواة على طبقات، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في المقدمة: (( ... بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالباً، يجمع اسم الرجل ... ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائماً مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يؤمن لبسه.
وباعتبار ما ذكرت انحصر لي ... طبقاتهم في اثنتي عشرة طبقة ...
وأما الطبقات: فالأولى: الصحابة ... ، الثانية: طبقة كبار التابعين ... الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين ... ، الرابعة: طبقة تليها، جل روايتهم عن كبار التابعين ... ، الخامسة: الطبقة الصغرى منهم ... ، السادسة: طبقة عاصروا الخامسة؛ لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة … السابعة: كبار أتباع التابعين …، الثامنة: الطبقة الوسطى منهم …، التاسعة: الطبقة الصغرى من أتباع التابعين … العاشرة: كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلقَ التابعين. الحادي عشرة: الطبقة الوسطى من ذلك. الثانية عشرة: صغار الآخذين عن تبع الأتباع كالترمذي، وألحقت بها باقي شيوخ الأئمة الستة الذين تأخرت وفاتهم قليلاً …
وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بيَّنته)).
وخلاصة ذلك (من هنا إلى آخر الكلام عن الطبقات بحروفه من تعليقات الشيخ محمد عوامة في دراساته للتقريب: (42 – 44)، وقد سماه: الجانب الرابع: بيان مراده من الطبقة):
1 - بيَّن الباعث له على هذا الاصطلاح الخاص بكتابه هذا – وهو الطبقات – أنه أراد استدراك ما حذفه من تسمية شيوخ المترجم والرواة عنه، فإنه بهذا التحديد الزمني يقرِّب للباحث أن هذا المترجم هو مراده لا غيره.
وهو استدراك جيد بديع؛ ولكنه نبَّه إلى أن تحديد الطبقة يفيد غالباً – لا دائماً – فاستدرك وقال لبيان الأغلبية: ((إلا من لا يؤمن لبسه)).
2 - ثم بيَّن أنه:
- جعل الصحابة طبقة واحدة على اختلاف طبقاتهم.
- وجعل للتابعين خمس طبقات: كبرى، ووسطى، وملحقة بها وصغرى، وملحقة بها.
- وجعل لأتباع التابعين ثلاث طبقات: كبرى، ووسطى، وصغرى.
¥