تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم هي أخيرا: لحظة إيذان بانطلاق نموذج تجربة علمية على صعيد الجهة الشرقية بالمغرب، تستلهم تجربة مراكز البحوث والدراسات التي تجمع بين الكفاءة الأكاديمية، والاستقلالية المادية والقانونية، والامتداد في صلات التشارك والتعاون، والإشعاع في مجال التكوين والتأطير المتخصص.

وأكد "بودينار" أن هناك تساؤلا مشروعا يقوم حول أهمية مراكز البحث في بلدان تعاني من مشاكل، ليس على مستوى مجال تداول المعرفة، وقاعدة القراءة، ونسبة استفادة القرار العملي من الرأي العلمي فحسب، بل كذلك على مستوى مؤسسات إنتاج المعرفة نفسها، في ضوء ما تواجهه من تحديات الكفاءة الأكاديمية وجودة التكوين، والاندماج في المنظومة المجتمعية. والحقيقة التي لا مهرب منها أن مراكز البحوث والدراسات مطلب مُلِح وحاجة أساسية للمجتمع لا يمكن تجاهلها أو النظر إليها على أنها ترف يمكن الاستغناء عنه أو استيراده من الخارج عند الحاجة.

==================

نصر عارف: مراكز الأبحاث بين صناعة الأفكار وترشيد السياسات

أكد الباحث نصر عارف في بداية كلمته على ضرورة التفرقة في ميدان البحث والفكر بين مركزيتين: مركزية الفرد ومركزية المؤسسة؛ فالتاريخ الفكري الإنساني مر بهاتين المركزيتين، إذ كان البحث والفكر يتمحور في مرحلة من المراحل حول فرد، ثم انتقل العالم إلى مركزية المؤسسة أو بمعنى آخر التفكير الجماعي أو العمل الجماعي في الفكر، والمطالع للتاريخ الإسلامي وتراثه الفكري سيجد أن البحث أو ما يمكن أن ينظر إليه على أنه مراكز من الأبحاث على مستوى الشكل كان موجودًا، فأي عالم كان في ذاته مركزًا للأبحاث بمعنى من المعاني؛ لأنه كان ينتج أفكارًا ويؤهل الباحثين ويرشد السياسات ويجمع حوله فريقا كبيرا من المعاونين والمساعدين والباحثين، ولكن كان الأمر يدور حول شخص، والعالم المعاصر بتعقيداته يقود إلى تغيير هذه المركزية، أي أن يحدث تحول من الفرد إلى المؤسسة، وهذا التحول يقود نحو الانتقال من الاجتهاد الفقهي الفردي إلى الاجتهاد الجماعي، إذا ما كانت هذه المراكز البحثية ذات طبيعة فقهية.

كذلك كان الأمر على مستوى المستشار السياسي، فعلى مر التاريخ كان لكل حاكم مستشار ولكن في العصر الحديث كان مستشارًا فردًا، وكان علماء الفكر السياسي الإسلامي يوجهون نصائح، ويهتمون كثيرا بتكون هذا الشخص وبخلفيته وبأمانته وبدقته وبالضوابط التي تحكم عمله، ولكن في الوقت الحالي انتقل المستشار من كونه فردًا إلى أن يصبح مؤسسة؛ فالسياسات لا تُرشد إلا من خلال مؤسسات نظرًا لتعقد الأمور وتشابكها.

وأكد عارف أن أزمة الفكر الإسلامي في تاريخه حدثت عندما لم تنشأ مؤسسات فكرية قادرة وكافية في زمانها ومكانها على إنتاج هذه الأفكار أو على صقلها أو على حملها وتوصيلها؛ فالتراخي الذي حدث في الدقة العلمية الواجبة في التكوين العلمي للباحثين، ودخول فئة بين طائفة أهل العلم ممن ليست منهم، وانشغال العلماء بالدنيا، وضغط قوة السلطان على العالم، كل هذه الأشياء حالت دون أن يتحول العالم أو العلم من إنتاج فردي إلى إنتاج مؤسسي، ومن ثم فأزمتنا على مر التاريخ كما يرى نصر عارف هي عدم القدرة على التأسيس أو المأسسة، أي بناء المؤسسات.

والمؤسسة ليست هي مجرد هيكل إداري لها رئيس ومرءوس، ولكنها شبكة من العلاقات فيها درجة من التفاعل والاعتماد المتبادل بين أطرافها، وبهذا تصبح مؤسسة، كما أن المؤسسة لها عقل خاص يتفوق على عقل الفرد، وإن كان يقودها فرد، كما يقول حافظ إبراهيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

"رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ... رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها"

وينطبق هذا البيت على العلم أيضا فعلم الجماعة ينير الطريق للأمة أكثر من علم الفرد.

* بدايات مؤسسات إنتاج الأفكار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير