تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتناول "نصر عارف" في مداخلته المراحل التاريخية التي مر بها ظهور مراكز الأبحاث والدراسات، مبينا أن مراكز الأبحاث نشأت داخل الجامعات في صورتها الأولى في العالم الغربي، حيث ظهرت أولى الجامعات الأوربية في القرن الثاني عشر الميلادي، ونبه إلى أن معظم هذه الجامعات أنشئت تقليدا للجامعات الإسلامية في مرحلة الحروب الصليبية، وفي تلك الأثناء أسس ما يعرف بالكراسي العلمية، وكان أول هذه الكراسي هو تأسيس كراسي الدراسات الشرقية في بولونيا وفي روما وفي باريس. كما أنشئت وقفيات نقلا أيضا عن الوقفيات الإسلامية، وكانت أول وقفية أنشئت في بريطانيا اسمها وقفية ديمورتن في جامعة أوكسفورد لتشجيع الدراسات الدينية بالتحديد.

ويوضح الباحث أن تأسيس الكراسي العلمية كان هو الإرهاصات الأولى لتأسيس مراكز أبحاث، ولكنها كانت مراكز أبحاث لإنتاج الأفكار، ليتم بعد ذلك توظيفها في السياسة، ولم تكن علاقتها بالسياسة مباشرة، وظلت هذه المراكز والكراسي تنشأ وتنمو إلى أواخر القرن 18م وأوائل القرن 19م تقريبا، عندما بدأت تظهر مراكز الأبحاث خارج الجامعات، في هذه المرحلة بدأت مراكز الأبحاث تنحو منحى آخر هو تسخير العلم لخدمة السياسة، في هذه المرحلة بدأ يظهر أول المراكز، حيث تم تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدفاعية ببريطانيا سنة 1831، ثم تلته بعد ذلك الجمعية الفابية سنة 1884، وظهرت بعد ذلك مراكز أبحاث في أمريكا، كمعهد راسل للحكمة ومركز بروكنز سنة 1914.

ومنذ أوائل القرن 19 بدأت تظهر مراكز أبحاث خارج إطار الجامعات، واستقل كل منها بوظيفة خاصة، وبالنسبة للمراكز خارج الجامعات ظلت تدار على أنها شركات يتم التعاقد معها لعمل بحث حول موضوع معين، إلى حدود 1970، حيث بدأت موجة جديدة من مراكز الأبحاث خارج الجامعات أطلق عليها فيما بعد، المراصد الفكرية وهي التي تقود العالم اليوم.

في هذه الأثناء بدأت تنشط مجموعة مراكز أبحاث، خصوصا في شرق آسيا في اليابان وكوريا والفلبين وأستراليا والصين، وانتقلت هذه المراكز من إطار الشركات التعاقدية إلى القيام بدور مستقل، لها أجندة خاصة تابعة لحزب أو مؤسسة معينة، لكنها أصبحت مستقلة.

* مؤسسة الفكر والواقع

ثم تناول عارف دور مراكز الأبحاث في صنع الأفكار، موضحًا أن مراكز الأبحاث ليست مجرد مراكز لتجميع المعلومات، ولكنها مراكز لإنتاج الأفكار، وعملية صنع الأفكار لا تتم لذات الأفكار؛ فالفكر أصبح له علاقة حتمية بالواقع وما ليس له تأثير في الواقع لا قيمة له.

فالأفكار عندما تصنع لا يتم الوقوف عند صنعها، وإنما يتم نقلها للمجتمع من ناحية ولصانع القرار السياسي من ناحية أخرى، من خلال وسائل متعددة، ويحدد الباحث أطوار هذه العملية في ثلاث مراحل: بعد صناعة الفكرة يتم تأهيل المجتمع لها ثم تلقى في يد السياسي ليبني عليها قرارات وسياسات، فتكون هذه القرارات والسياسات مقبولة اجتماعيا.

وأشار عارف إلى ظهور تطور جديد فيما يتعلق بمراكز الأبحاث يسمى المركز البحثي المؤسسي، أي أن يكون لكل المؤسسات، خصوصًا الجامعات، مركز أبحاث داخلها يقوم على التخطيط، هذا النوع من المراكز يرشد صانع القرار داخل المؤسسة، ويساهم في إعادة توظيف واستخدام ما هو متاح من المعلومات لخدمة المؤسسة ورسم طريقها المستقبلي، ويسجل الباحث، بكل أسف، غياب هذا النوع من المراكز بصورة كاملة في العالم العربي.

* مراكز الأبحاث العربية .. سلبيات وضرورات

بعد الانتهاء من محاولة الإحاطة بأهم المراحل التي مرت بها مراكز الأبحاث، من إنتاج الأفكار إلى ترشيد السياسات، ثم مرحلة صنع القرارات الجزئية في مؤسسات صغيرة، ينتقل الباحث للحديث عن وظائف مراكز الأبحاث، مشيرا إلى أن هذه المراكز أصبحت تمارس ثلاثة وظائف، وهي:

1 - البحث وصنع الأفكار.

2 - المساعدة في صنع القرار أو ترشيد صنع القرار.

3 - وسيلة لتصنيع العلماء والباحثين باعتبارها ورشة للتدريب والتقاط الخبرة وهذه هي واحدة من المهام المستجدة التي أضيفت لمراكز الأبحاث في الربع القرن الأخير.

أما ما يتعلق بالعالم العربي فأكد عارف أن عدد المراكز البحثية أقل بكثير من حاجات المجتمع؛ فالعدد ضئيل جدًّا من حيث الكم، ومن حيث التمويل، فالإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي يقل عن 1%.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير